عصمت الموسوي

»عندما ذهبنا الى التراث العربي بحثنا عما يضيئ حاضرنا، ونستعيد به ما نسيناه وما افتقدناه في حياتنا الراهنة، نعني الحب، جلبنا درة الحب الخالدة، شعلة الوجد التي لا تخبو جذوتها ما دام هناك عاشق او عاشقة يتنفسان الحب« بهذه المقدمة استهل مارسيل خليفة وقاسم حداد بيانهما المشترك ردا على تلك الاصوات والاحتجاجات التي تعالت واستدعت تشكيل لجنة برلمانية لمحاكمة الفن والثقافة والجمال والابداع، »جئنا نحرَض الناس على الفرح لا الغياب، على الحياة لا العدم، ولم تكن غايتنا ان ندغدغ الغرائز الادنى عند جمهور جاء بكل براءته وثقته وفطنته ليعرف ويستمع ويفتح قلبه على سعته بلا موقف مسبق وبلا ضغينة ولا احكام«... تذكرت هذا البيان امس وانا اجيب على اسئلة مراسل احدى الفضائيات العربية تعليقا على السجال الدائر في البحرين هذه الايام بين نواب البرلمان وبين »ربيع الثقافة« قلت له ان لجنة التحقيق ستحاكم لقطة عابرة ومنقضية، جاءت في سياق عمل فني راقص يتغنى بالحب، وقد يواجهون بإشكالية تتعلق بمدى مسؤولية المنظمين للفعالية عن هذه الحركة العابرة وكيف تتم المحاسبة؟ ولو عدنا الى تراثنا العربي الذي استلهم منه قاسم ومارسيل عملهما المسرحي لاستدعى الامر ربما محاكة طويلة ومتشعبة لكل الرموز الابداعية التي تجرأت وتناولت مواضيع الحب والعشق والغزل بشكل جريء ومغاير للمألوف، ارض الحب والخلود كما رآها جلجامش يراد تحويلها الى ارض يباب، سوداء وحزينة وغارقة في الخوف والملل والسأم والرتابة، سعدت عندما تصدرت اعلانات ربيع الثقافة الشوارع والدورات، وابديت هذه الملاحظة للشيخة مي الخليفة، فمنذ شهرين والبحرين متلفعة بالسواد احياء لمناسبة ذكرى استشهاد الحسين، وقد اخذت المناسبة حقها بالكامل سوادا وعزاء وبكاء واحتلالا للشوارع والامكنة دون اعتراض من احد.

ان للمواسم الثقافية ايضا ناسها وروادها ومنتظريها وعشاقها، وقدر البحرين ماضيا وحاضرا ان تتعايش مع اختلافاتها وتنوع مشارب اهلها واذواقهم المتعددة، وهو امر ينسجم تماما مع جوهر الفكرة الديمقراطية التي ارتضيناها جميعا عندما ولجنا زمن الاصلاح السياسي، انها الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الدستور الذي اقسم عليه النواب، وهي ما اوصلهم الى مقاعد البرلمان، الديمقراطية التي تقتضي توسيع مساحات الفعل الديمقراطي والحريات جميعها وقبول الاختلاف وعدم احتكار الحقيقة او فرض الوصاية على الاخر ، ثم لماذا العودة بنا الى فضاء العهد الشمولي المطلق والقمع وفرض الرأي الواحد والفكر الواحد والذي يفترض اننا خلفناه وراءنا، ثم سؤال اخير لماذا الفرح والحب والابداع في مجتمعاتنا اما محاصر او مؤجل او مستحيل؟

الايام- السبت 23 مارس 2007

*****

صور لا يُعوّل عليها بركة حمـارة السيد..

حسين المحروس

''يخرج خفيفاً ويعود مثقلاً بالصور.
يسألونه عن الشخوص فيها.. فيقول: صور.''

البحرين بلد الملفات الساخنة والباردة أيضا، ملفات تُفتح وتنغلق لا تنتج شيئاً، لا تنتج جدلاً يؤسس لشيء، ولا يمحي شيئاً، ولا يثبت شيئاً ولا هو بينهما. ملفات تنتج أبطالاً من ورق لم يكن في حسبانهم أنهم سيكونون أبطالاً.. أبطال الغفلة يا حبّة عيني. يعني حتى ''حمارة السيد'' عندما كانت تهيج في حيّ النعيم، وتصاب بحالة تمردّ لفرط حساسيتها، وتخرج عن طور الحمير كلها، ويمكنني أن أقول ''كلهم'' أيضا.. وتنطلق في الأزقة والشوارع ولا تهتم بما يكون أمامها وبمَنْ يكون: طفل، امرأة عجوز، رجل دين، شخصية بارزة، رجل صالح، إنسان قومي، شيوعي، تاجر، مثقف، جدار حوزة، سيارة جديدة، .. لا تكترث بأيٍّ منهم. هذا الهيجان المبرر ''لحمارة السيد'' كان ينتج شيئاً مهما كان .. كان ينتج حكايات على الأقل لا ينساها أهل الحيّ.

ملف عرض ''مجنون ليلى'' الذي أثاره شيوخ البرلمان لم ينتج شيئاً في البحرين حتى الآن غير أبطال الغفلة. لم ينتج جدلاً، ولا مصطلحات جديدة، ولا أسئلة جديدة، ولا صدمات جديدة، ولا مرارات جديدة وحتى ما قيل إنّه كشف شخوص ممثلي الشعب لم يكن صحيحاً.

ظننتُ - لعن الله الظن إذا لم يُؤسس لشيء - أنّ الملف سيهيج جدلاً حول الصورة الفوتوغرافية.. حول اعتبارها دليلاً لكن ذلك لم يحدث. فقد رفع ممثلو الشعب الصور الفوتوغرافية - حتى بان بياض إبط بعضهم - التي حوّلت مشاهد العرض الراقص السريعة إلى مشاهد متوقفة جامدة مستطيلة توحي بأنّها كانت طويلة بهذا القدر من الاستطالة. لم يحدث ذلك الزمن الطويل وكان الناس في حي النعيم يدركون أن هيجان ''حمارة السيد'' لا يستمر غير دقائق.. إذاً لم يحدث ذلك ولم يدع حتى إلى حلقات نقاش حول ''الصورة الفوتوغرافية الدليل''.

ظننتُ - والظنون فنون - أنّ جدلاً لغوياً سوف يحدث حول كلمة ''sensual'' وكلمة ''sexual'' في الانجليزية.. ههههه.. ندري أنهما انجليزيتان.. وأن ما حدث في العرض ينتمي إلى الحسيّ (sensual) لا إلى السكسي (sexual).. لكن ذلك لم يحدث إلا بين الأختين: فاطمة وسميرة ولم يتعداهما إلاّ إليّ. ملف ''مجنون ليلى'' الساخن، الملف البارد أيضاً أنتج مواد صحافية وملفات وأعمدة كثيرة، وتوقيعات وبيانات كان أكثرها لا يُعوّل عليه.. سُمّي الملف ''بالسابقة الخطيرة'' لكنّ شيئاً لم ينتج عن هذه السابقة حتى الآن غير صناعة الأبطال، وعلاقة سيئة جداً بين ممثلي الشعب والصحافيين الذين اعتمدوا على بعضهم في تجميل القبيح أيام الانتخابات. في حيّ النعيم مجموعة شباب من اتجاهات مختلفة، وأمكنة مختلفة أيضا يلتقون منذ أكثر من 20 عاماً في مكان طالما مرّت جواره ''حمارة السيد''. يضعون صوراً فوتوغرافية ويقرؤونها ويستمتعون. كانت قراءتهم السريعة لملف ''مجنون ليلى'' يوم الخميس الماضي تتعدى قدرات ممثلي الشعب وشيوخ البرلمان. أظنّ ذلك.. أيّ ملف لا تمرّ ''حمارة السيد'' جواره لا يُعوّل عليه..

الوقت – 25 مارس 2007

*****

أين تقف الدولة؟!

حسن مدن

أود أن أشاطر الزملاء والزميلات من كتاب الرأي في صحافتنا المحلية السؤال الذي أثاروه خلال الأيام الماضية عن موقف دولتنا بأجهزتها المختلفة ومراكز صنع القرار فيها من الهجمة الشعواء على الثقافة وعلى حرية الصحافة في البلد منذ زوبعة النواب ضد ربيع الثقافة، بعد أن أفقدهم رشدهم »مجنون ليلى« في نص قاسم حداد، فأرادوا أن يقودوا البلاد كلها نحو الجنون، بحيث تفقد عقلها الذي ميزها على الدوام، وهي ترسم خياراتها وتختار رهاناتها نحو المستقبل، فإذا بالكتل النيابية التي يتربع أفرادها على مقاعد مجلس النواب اليوم، يريدون نزع هذا العقل وإعادة مجتمع بكامله باستدارة كاملة نحو الخلف. الشيء غير المعروف حتى الآن هو موقف الدولة مما يدور، هل تراها راضية عن هذا التوجه، وبالتالي فان سكوتها عنه يندرج في خانة: »السكوت علامة الرضا«، فقد يطيب لها أن يشغل النواب المجلس بالتحقيق في ربيع الثقافة، بدل أن ينصرفوا إلى التحقيق في القضايا والملفات التي توجع، والتي تفضل الحكومة أن تبقى في خانة »المسكوت عنه« إلى ما شاء الله، خاصة أن الدولة تعرف أكثر من أي أحد أن بعض كتل المجلس الراهن ما كانت ستكون على هذه الدرجة من التمثيل فيه لولا الدعم الذي حظيت به أثناء الانتخابات من قبل أجهزة رسمية، وهذا حديث لا نرغب في خوضه الآن لأنه خارج سياق موضوعنا، ولكننا تعرضنا له من زاوية أن »دالة« الحكومة على هذه الكتل كبيرة، وكان بوسعها أن تنهرها عن المضي قدما في كرنفال التحقيق في مهرجان ربيع الثقافة لو أن الحكومة أرادت ذلك فعلا، رغم أن السؤال يظل قائما: في ماذا ستحقق لجنة التحقيق، وهي تتصدى لأمر يعلم القاصي والداني أن أعضاءها لا يملكون معايير تقييمه، وهو أمارة أخرى من أمارات فقدان الحكمة في هذا البلد. صمت الدولة المحير مما يجري يثير أسئلة كبيرة حول رؤيتها للأفق الذي تراه للبحرين، هل ترضى الدولة أن تصبح هي، ومعها المجتمع كله، أسرى لجماعات بعينها تريد أن تعمم علينا قسرا نمطا من المعيشة والسلوك ليس محل إجماع أو توافق، ونحن مجتمع تعددي ومتنوع، وهو أمر طالما تفاخر به المسؤولون أيضا. لا نريد أن نحمل الدولة ما هو فوق طاقتها، فنطالبها بالانحياز للرأي الذي نعبر عنه نحن، الذي جرى التعارف على وصفنا بالليبراليين في إشارة إلى طبيعة رؤيتنا للحياة وللأمور، ولكننا بالمقابل لا نرضى بأن تقف الدولة، ضمنيا بل وفعليا، إلى جانب الرأي الآخر. من حقنا على الدولة كمواطنين أن نطالبها بموقف متوازن من التكوينات المختلفة للمجتمع، بأن تقف في منتصف المسافة بين هذه التكوينات، فسكوتها اليوم سيؤخذ على واحد من أمرين، فان لم يفسر على انه مسايرة واعية من قبلها للقوى المهيمنة على مجلس النواب استجابة لحسابات سياسية معينة، سيفسر على انه تعبير عن التردد من سطوة هذه القوى، وفي الحالين فانه أمر لا نرى انه من الحكمة أن تضع الدولة نفسها فيه، لأنها ذاتها لن تكون، وبعد حين لن يطول، بمنجاة من ابتزازات أخرى في الطريق سينجم عنها، إن جرى التمادي فيها، خلق »بحرين« أخرى غير تلك التي عرفناها.

****

دروس مجنون ليلى

رضي السماك

وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، ذلك ما ينطبق تماماً على كل القوى السياسية والاجتماعية المستنيرة من ديمقراطية ووطنية وليبرالية ودينية في الموقف من الحملة النيابية الشعواء التي شنها نواب الوحدة الوطنية الجديدة من مختلف الكتل على مسرحية المبدعين مارسيل خليفة وقاسم حداد «مجنون ليلى«.
ولعل الخير فيما كرهته هذه القوى المستنيرة في تلك الحملة انما يتمثل في دلالاتها ودروسها الثقافية والسياسية البالغة الأهمية التي ينبغي استلهامها والاتعاظ منها جيداً. وما لم تستفد قوى التغيير الديمقراطية والمستنيرة من تلك الدروس في المرحلة الراهنة فانها لن تستفيد منها في المستقبل بعد فوات الأوان. أول هذه الدروس المستفادة من تلك الحملة التي شنت باسم الدين والعفة والاخلاق من منظور ضيق للدين ان امكانيات التحالف والعمل المشترك من أجل التحولات الديمقراطية والدستورية والاجتماعية بين هذه القوى وقوى التغيير الديمقراطية والليبرالية والمستنيرة هي امكانيات محدودة ومشروطة ولا يمكن التعويل عليها بشكل مطلق، مهما ابدت هذه القوى تبنيها وحماسها الشديد في رفع شعارات ومطالب دستورية وديمقراطية واجتماعية براقة ومهما أيضا حاولت التمكيج بلغة العصر في الدفاع عن هذه الشعارات أو تبنت المرجعيات والمواثيق الدولية لقيم الديمقراطية العصرية وحقوق الانسان التي جميعها كما نعلم هي ثمرة الفكر السياسي الليبرالي الحديث بمختلف روافده ومنجزاته الاوروبية والعالمية. بهذا المعنى وكما قلنا مراراً فان معوقات وكوابح التطور الاجتماعي والديمقراطي التي تمتلكها القوى الإسلامية المتزمتة في البلدان العربية لا تقل خطورة عن الآليات والكوابح التي تمتلكها الانظمة الشمولية، لا بل لطالما هذه الأخيرة استندت في استبدادها وقمعها ومصادرتها للحريات العامة الى تنظيرات وفتاوى الأولى كوسيلة للتعويض عن الشرعية الدستورية والديمقراطية الحقة باسم الشرعية الإسلامية والخصوصية الوطنية. وبهذا المعنى فإن قوى الإسلام السياسي المتزمتة تخفي عادة في تحالفها مع قوى الحداثة والديمقراطية أجندتها في توظيف واحدة من أهم أدوات النضال السلمي من أجل التغيير والتحولات الديمقراطية والاجتماعية ألا وهي السلطة التشريعية كمعول هدم وسيف مسلط لخنق حرية التعبير والابداع وهي مفارقة لا تخلو من دلالة، على قوى التغيير والتقدم الاجتماعي استلهامها. بمعنى ان القوى الاسلامية العربية التي تناضل من أجل البرلمان ليس بالضرورة كلها تريده برلماناً من أجل تعزيز وصيانة حرية التعبير وسائر الحريات العامة بل لتتخذ من اداته في الغالب وسيلة من وسائل كبح وعرقلة شروط ونضج التحولات الديمقراطية والاجتماعية التي تناضل من أجلها وتضحي مجمل قوى الحداثة والاستنارة والديمقراطية. وثاني هذه الدروس التي تكشفها الحملة النيابية فيتمثل في ضيق أفق تلك القوى في مفهومها للأعمال الابداعية والفنية بمختلف اجناسها الحديثة ذلك بانها تقيس صلاحية هذه الاعمال دائماً وابداً بمقاييس دينية جامدة متحجرة فإما اسود وإما أبيض دونما حد أدنى من المرونة والتفريق بين الأعمال الفنية الساقطة والهابطة من أغان ورقص وموسيقى وافلام ومسرح ورسوم بمختلف انواعها وبين الأعمال التي تمتلك حداً أدنى من الابداع. وبهذا المعنى يتساوى عندها في هذا السقوط مخرجو المسرحيات والأفلام الخليعة والاغاني والرقصات الاباحية مع مخرجي المسرحيات والافلام والاغاني والرقصات الابداعية والانسانية. بهذا المعنى كم هي اساءة قاسية وجهت الى مبدعين كبار عرب وبحرينيين من حجم المبدعين مرسيل خليفة وقاسم حداد بتصويرهما عملياً بأنهما لا يختلفان شيئاً عن مروجي الرذيلة والخلاعة. وكم هي إساءة قاسية أن توجه إلى ضيوف وهم مازالوا على أرض البحرين. وثالث هذه الدروس ان هذه الحملة في توقيتها بعد مرور ما يقرب من أربعة شهور على انعقاد البرلمان دونما شعور الشارع أو قواعد الكتل الإسلامية التي حازت أعلى الأصوات بانجاز برلماني يذكر على صعيد حلحلة كل القضايا والازمات الآنية المعيشية والسكنية والفسادية والوظيفية تعكس فشل هذه القوى الدينية في ممارسة فن الأداء والعمل البرلماني في ظروفه المعقدة والمحدودة من أجل حلحلة تلك القضايا، على عكس ذهنية وسعة افق قوى التغيير التي تعرف جيداً كيفية ممارسة هذا الفن حتى في أكثر ظروف العمل البرلماني تعقيداً ومحدودية كما شاهدنا ذلك في الفصل التشريعي المنصرم. وهكذا فان واحدة من المفارقات التاريخية المذهلة والمؤلمة معاً هي انه اذا ما اتفقت هذه القوى المذهبية فيما بينها لتجسد «الوحدة الوطنية« فانها لا تتفق الا من أجل مصادرة جانب من الحريات العامة وحرية التعبير باسم الاسلام والعفة، ومن أجل تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني لشعبها من خلال حروبها المذهبية الطائفية المتبادلة التي لا تهدأ. وهنا تفرض نفسها جملة من التساؤلات: 1- كم عدد النواب الذين شاهدوا المسرحية بكاملها بمعزل عن تلك اللقطات السريعة التي تباروا في إشهارها داخل المجلس وكأنها لقطات اباحية للرقص الشرقي او برامج الملاهي الليلية؟ 2- لماذا قوى «الوحدة الوطنية« ضد المسرحية التي اقامت الدنيا ولم تقعدها بسببها ولا تطرح هذه الشعارات الوعظية الدينية في صدارة اولوياتها اثناء حملاتها الانتخابية وتخدع الجماهير بأولوية شعارات القضايا العامة المعيشية الانية دونما ان تمارس هذه الاولوية داخل البرلمان؟ 3- هل كانت هذه القوى ستثير حفيظتها ضد المسرحية لو انها جرت في إحدى جمعيات المجتمع المدني او الجمعيات السياسية؟ اليس ذلك يعكس رغبتها في احتكار المؤسسة الإعلامية العامة بكاملها لفرض اجندتها الفكرية والسياسية باسم الاسم على مجتمع تعددي ثقافياً وفكرياً برمته؟! 4- هل كان حزب الله اللبناني على الرغم من اختلافنا مع نهجه الفكري سينشغل ويقع في فخ الاستدراج الذي نجحت ببراعة قوى الموالاة الدينية ايقاع قوى المعارضة الدينية فيه لو ان المسرحية جرت على أرض لبنان؟ وهل كان ينشغل بها مراجع وفقهاء لبنان المستنيرون أو على درجة من الاستنارة مثل المرجع السيد محمد حسين فضل الله والعلامة هاني فحص؟ والذين لهم جميعهم قضايا فكرية وسياسية آنية أكبر من هذه المسرحية حتى مع افتراض تحفظهم على بعض مشاهدها. ذلك بان هذه المشاهد حتى بافتراض خلاعيتها ليست اخطر من مظاهر الفساد الأخلاقي الأخرى في البلاد على نحو ملح عاجل بالغ العجالة. والأهم من ذلك ليست أخطر من مظاهر الفساد المالي والاداري الذي هو موضوعياً الجذر والأساس المادي لكل أشكال الفساد الأخرى

اخبار الخليج- الاثنين 26 مارس 2007

*****

خريف الثقافة.. كلاكيت للمرة المليون

سعدية مفرح

المشهد ذاته يتكرر في كل عاصمة عربية، تتغير الوجوه، وعناوين الحوادث، لكنه المشهد نفسه، يستدرج الخريف ليحتل ما بقي لنا من مناخات ربيعية مبتسرة تحاول ان تحتفظ بمساحاتها التي تتقلص يوما بعد يوما.. هنا وهناك.. على امتداد الخريطة العربية الراهنة...
فخريف الثقافة، وفقا لهواة المناخات الخريفية في دلالاتها المعنوية، البعيدة عن جمالية المشهد تشكيليا ولونيا، ينبغي ان يكون هو الفصل الوحيد الذي يمكن أن نعيشه ونتعايش معه قوميا، بحجج مختلفة، منها انه الفصل الذي يلائم العادات والتقاليد العربية والاسلامية.. تحديدا (يا للمصطلح المطاط !!) لكن أخطر هذه الحجج ما عبر عنه عضو بمجلس النواب البحريني عندما سئل عن رأيه بالحملة التي شنها زملاؤه الاسلاميون ضد عرض مسرحية أخبار مجنون ليلى في المنامة مؤخرا حيث قال إن المواطن مشغول عن كل هذا بلقمة العيش، بالصحة والتعليم والسكن ووسائل المواصلات و... و... الخ، وهذا يعني ان أي حديث عن الثقافة على مستوى الربيع او الخريف أو الشتاء او الربيع سيكون ترفا. وللأسف فقد سادت هذه الحجة لدى كثيرين على رغم أنهم لا يخبروننا كيف يمكن للخريف ان يكون حلا لكل هذه المشكلات، وكيف يمكن أن يكون الربيع حائلا دون أن يتوافر للمواطن لقمة عيش نظيفة، او سرير في مستشفى، او مقعد في مدرسة، أو شقة تكفي طموحاته عندما يضع رأسه على مخدة الاحلام ليلا.
ما تعرض له الشاعر البحريني قاسم حداد والفنان اللبناني مارسيل خليفة اللذان تشاركا في رسم مشهد معاصر للحب في تجلياته التراثية عبر تقديم مسرحية عنوانها 'أخبار مجنون ليلى' في افتتاح مهرجان ربيع الثقافة في البحرين مؤخرا يعيد المشهد ولا ينتجه من عدم، ففي كل عاصمة عربية هناك ما يمكن أن يكون مرجعية للحدث الجديد.. ولنتذكر بعض المشاهد العربية المزعجة على هذا الصعيد في مدى السنوات العشر الاخيرة فقط، لنرصد ما حدث لمارسيل نفسه في بيروت نفسها عندما احتج البعض على نص شعري لحنه للشاعر محمود درويش عنوانه 'انا يوسف يا ابي'، وما حدث لنجيب محفوظ ونصر حامد ابو زيد وفرج فودة في القاهرة، وما حدث للدكتور احمد البغدادي وليلى العثمان وعالية شعيب في الكويت، وما حدث لعلي المقري في صنعاء، وما حدث لكثير من المثقفين المستنيرين في الجزائر أو دمشق أو طرابلس أو... أو... أو إلخ... وما حدث أخيرا في الاراضي المحتلة التي تشاغل فيها الحزب الحاكم عن كل ما يمكن ان يشغل الناس هناك من احتلال وتقتيل وتهديد بحرب اهلية ليتفرغ لمهمته الكبرى في مصادرة كتاب تراثي يدرس في مدارس الاطفال ليساعدهم على حفظ بعض ما تفوه به اجدادهم الاولون من حكم وأمثال شعبية، لكن سدنة الاخلاق الجدد رأوا فيها ما يمكن ان يهدد الاخلاق الجديدة للأجيال الجديدة!!.
قاسم حداد ومارسيل خليفة اللذان يواجهان الآن حملة شعواء في البحرين بسبب محاولتهما تمجيد الحب شعرا وموسيقى أشارا الى أنهما قدما العرض لتحريض 'الناس على الفرح لا الغياب، على الحياة لا العدم'، لكنهما نسيا ان البعض مؤمن أشد الايمان بأننا مجرد أمة للغياب والعدم !. فلا عزاء لهما... ولا عزاء لقيس ولا لليلى ايضا !.

Saadia111@hotmail.com

القبس – 26 مارس 2007

***

فقهاء الإرهاب الفكري

رضي الموسوي

أفتى فقهاء مجلس النواب أمس بتشكيل لجنة تحقيق ينصبون من خلالها أعواد المشانق للثقافة والفكر استعداداً للقضاء على التنوع والتعددية في البحرين.
النواب أمس أزبدوا وأرعدوا وانتفضوا وأعطونا درساً في الأخلاق، ولم ينسوا الصحافة فأصابوها بسهام كثيرة في جلسة هستيرية تشبه كثيراً حفلات الزار التي تأثر بأجوائها وزراء سرعان ما دخلوا في الحفل وشاركوا في الطقوس حتى الهستيريا مع النواب الذين تنافسوا في الهجوم كما يتنافسون في رمي الأسئلة على الوزراء ولا يتابعونها.
لقد نسي جل النواب أنهم يدعون تمثيل الشعب، كل الشعب، وتناسوا برامجهم البراقة قبل القعود على الكرسي النيابي، وراحوا يفتشون في صدور هذا الشعب، المثقل بجراح كثيرة، بحثاً عن بقعة فرح يسرقونها منه ليبقى يندب حظه في من أوصلهم ليدافعوا عن لقمة عيشه وكرامته وتحسين ظروف معيشته التي تتدهور كلما زادت أسعار النفط وارتفعت أسعار الألومنيوم!
ترك النواب كل شيء وتفرغوا لمحاكم التفتيش الجديدة التي تعود هذه المرة بإجماع نيابي قل نظيره في مجالس نيابية منتخبة. لم يجرؤ واحد منهم على الاعتراض، فالسيل جارف والويل والثبور لمن يدعو لهم بالهداية، فهم الفرقة الناجية التي حجزت مواقعها في جنات الخلد إلى جانب الشهداء والصديقين.
هل نسي البعض ذاك الطعم الذي ابتلعه عندما قدم على طبق نانسي عجرم؟
يبدو أنهم لا يؤمنون بأن ‘’المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين’’، فها هي اللدغات تتكرر، والطعم يبتلع واحداً تلو الآخر، فتؤجل القضايا الكبرى وتهرب من بوابة المجلس النيابي العتيد لتدخل توافه القضايا وتقفز إلى الصدارة، ليجري التراجع عن لجان تحقيق وصل نواب إلى المجلس بسبب إعلانهم العزم على فتحها.
يطبطبون اليوم ويدلعون بعضهم البعض، فبعضهم يعرف كيف وأين ومتى يضع الطعم، والبعض الآخر يبدع في ابتلاع الطعم المزروع بعناية فائقة تشبه العناية بالتقارير الشهيرة وأبطالها الذين عادوا بإطلالتهم البهية.
ليشكلوا لجنتهم وليروجوا لها، فكل الساحات لهم، كما كانت الساحات كلها لرجالات الكنيسة الأوروبية في العصور المظلمة.
لكن الأكيد أن الحناجر لن تصمت والإبداع لن يتوقف.. وستظل الأرض تدور.

أقرأ أيضاً: