سعيد الحمد

يا بعض نوابنا المحترمين لا مانع مطلقا من ان تختلفوا مع الصحافة، فتعددية الافكار والرؤى مطلوبة ديمقراطيا. لكن المرفوض هو ان تطالبوا بذبح الصحافة علنا.. والمؤسف ان واحدا منكم لم يرفع صوته محتجا ورافضا لما قيل بحق الصحافة الوطنية ليسجل موقفا موضوعيا عادلا من دور الصحافة، خصوصًا مع مجلسكم الموقر ومعكم كنواب.. واذا كنتم تطالبون الصحافة "بالعدل" كما ذكر النائب عادل المعاودة فلماذا لم تعدلوا معها وتتذكرون وسط العصبية ضدها، دورها مع تصريحاتكم وتعليقاتكم ونقل جلساتكم ومتابعة ملاحظاتكم، ونشرها وإيصالها للمواطنين أولا بأول. وهذه ليست "منة" عليكم ولكنه الدور الايجابي للصحافة نذكركم به بعدما تناسيتموه، وأنتم تنددون بها وتهاجمونها وتطالبون بفرض الحراسة والوصاية والرقابة عليها، وتصفونها بالظالمة وتتوعدونها بحساب يوم القيامة، وكأنها كفرت وخرجت من الملة والدين عندما وقفت ضد مشروع تشكيل لجنتكم لمحاكمة الثقافة، وهو موقف من المقبول أن تختلفوا معه لكن أن تعتبروا الصحافة موجهة لضرب المجلس، كما قال النائب بوصندل فتلك فرية يكذبها ويدحضها موقف الصحافة منذ اليوم الاول لافتتاح البرلمان عام 2002 الى يومنا هذا، التي كانت في مقدمة الداعمين لهذه المؤسسة الديمقراطية، وهو دعم يعتمد النقد العلمي والموضوعي لأي اداء ومشروع برلماني يعطل المسيرة الديمقراطية ويسيء اليها كمشروع تشكيلكم للجنة التحقيق في "تهمة" الثقافة..!! وهو ما أثار حفيظتكم وأطلق العنان لسورة غضبكم الى الدرجة التي دفعت بالنائب محمد المزعل الى ان يلمح بفرض القيود على الصحافة، عندما اشار الى ان "السلطة الرابعة من اكثر السلطات حرية وأبعدها عن القيود"، حيث يفهم من كلامه بإمكانية المجلس الحالي فرض قيوده عليها عندما يناقش قانون الصحافة والنشر.. فهل هذا هو المطلوب من نواب الشعب المدافعين عن حرية التعبير؟! أما "زميلنا" السابق والنائب الحالي بوصندل فقد كان صريحًا في هجومه على الصحافة "منبره السابق"، عندما حرض وزارة الاعلام "اشكره" بمحاسبة ومعاقبة الصحافة لارتكابها جريمة "النقد" التي اعتبرها بحسب تقديره "استهزاء بالنواب"، وهو الذي كان قبل ان يصبح نائبا ينتقد النواب السابقين، وينتقد المجلس السابق ولم يقل له احد منهم "إنه يستهزئ بالنواب" كما قالها هو لزملا قدماء ولصحف كان يكتب فيها. ولا بأس بل ولا مانع يازميلنا السابق من ان تنتقد الصحافة وتختلف معها.. لكن ان تحرض وزارة الاعلام لمحاسبتها ومعاقبتها.. فهو ما يعود بنا معك الى حكاية جزاء سنمار تجازي به الصحافة يا صديقي اللدود الضائق دائما بآرائي وكتاباتي وهو حقك، الذي لا أنازعك فيه ولم اتعرض له بالنقد والمناقشة يوما.. ولكنني هنا ادافع كالآخرين من الزملاء عن آخر خطوط الحرية التي تريدون اقتلاعها واجتثاثها بالتحريض على حرية الصحافة وخنقها. فالبعض منكم نوابنا المحترمين هددها وحرض عليها وزارة الاعلام، والبعض الآخرون هددها بحساب يوم القيامة، والبعض وصفها بخفافيش الظلام، والبعض الآخر تبرع بإعطائنا دروسا في الاخلاق وزايد على وطنيتنا، والبعض وصف جمعيات وطنية مدنية وسياسية ذات تاريخ نضالي ووطني عريق "بالفاشلة". وللأسف كل ذلك الهجوم على الصحافة جرى دون ان يرتفع صوت واحد لنائب واحد معترضا على الاسلوب. اللهم الا صوت رئيس المجلس السيد خليفة الظهراني الذي نبه النواب لكلماتهم تجاه الصحافة، وهو ما يحسب ل "بومحمد" دائما..أما "نواب الشعب" الآخرون فمن لم يهاجم الصحافة فقد سكت.. والسكوت كما قالوا علامة الرضا!!

الايام

****

الانتفاضة ضد البرلمان.. لحماية الحريات الثقافية

سميرة رجب

تناقلتها كل وكالات الأنباء، ونشرتها أهم إذاعات العالم، وسُطرت على كل مواقع الإنترنت، واتصل بنا زملاء من المثقفين العرب يتساءلون عن صحتها.. وهي أخبار اعتراض البرلمان البحريني على استعراض فني راقص جاء مرافقاً لشعر الشاعر قاسم حداد،
وأنغام الموسيقي مرسيل خليفة، حضره المئات من الشعب البحريني على مدى ليلتين متتاليتين، تعبيراً عن شدة إعجابهم وطلبهم لهذه الفعاليات الثقافية التي باتت نادرة، بل مُفتقدة، في مجتمعنا المعروف باهتماماته ونشاطاته الثقافية المتنوعة.. وبثت بعض المحطات تفصيلاً للسلوك الاستعراضي الذي مارسه النواب للتعبير عن اعتراضهم هذا، بالصوت العالي والانفعال العصبي الذي وصل إلى حد القذف والتهديد للقائمين على مشروع ربيع الثقافة، بما لا يليق بممثلي الشعب.. ولإنصاف البحرين ووضع ثقافة هذا المجتمع في منزلتها الحقيقية، بات من واجبنا أن نثبت للعالم ان سلوك النواب في محاربتهم للحريات لا يمثل بأي شكل من الأشكال ثقافة المجتمع البحريني التي كانت طوال التاريخ منفتحة على مختلف الثقافات والفنون والحضارات، وكانت سباقة في تواصلها الثقافي مع كل أطراف العالم، مع تمسك هذا المجتمع بالإسلام وتعاليمه وعاداته وأخلاقه وآدابه بأحلى وأرقى الصور التي رفعت من شأن الإسلام على مدار أربعة عشر قرناً.. وإن تخلف البحرين عن هذا الركب خلال العقود الثلاثة الماضية كان نتاج سيادة ثقافة التطرف الديني الدخيلة على مجتمعاتنا لأهداف السياسة الدولية.. ولم نقرأ في التاريخ الإسلامي، ولا في تاريخ الأوائل أي نوع من أنواع الرفض للفنون والثقافات التي حرمتنا منها تنظيمات الإسلام السياسي خلال العقود الماضية.. وإذا كانت ذريعة النواب في سلوكهم هذا بأنهم ممثلو الشعب في التشريع، فعليهم أن يعلموا أن المثقفين هم ممثلو المجتمع حضارياً وثقافياً.. إن انتفاضة البحرين المستمرة منذ أكثر من اسبوع، ضد قرار النواب مصادرة الحريات الثقافية، أثبتت أن ما صدر عن البرلمان كان محل استهجان ورفض جميع المثقفين البحرينيين، حتى عبّر العديد من القطاعات والفئات الاجتماعية والسياسية والثقافية اعتراضهم على سلوك وقرار النواب في هذا الشأن، وبات الأمر وكأنه "القشة التي قصمت ظهر البعير"، حيث نفد صبر المجتمع البحريني الذي دام طويلاً (ثلاثة عقود)، فأعلن انتفاضته ورفضه لما وصل إليه حال الثقافة والإبداع والحريات في البحرين في ظل سيادة ثقافة التطرف التي تريد أن تلون البحرين كلها باللون الأسود المعتم، وترفض أي لون آخر يدخل البهجة في النفوس.. إنها ثقافة التطرف التي يرفض أصحابها ثقافات الآخرين وإبداعاتهم وأية مسحة فنية أو جمالية تزيّن البلاد والمجتمع، معتبرين أنفسهم مالكي الصكوك الإلهية في تنظيم وتقويم سلوك البشر على الأرض، وإن الله بعثهم لحماية المجتمع ضد الرذيلة، ولولاهم لانغمس المجتمع بالفساد الأخلاقي.. وألغوا العقل الذي وهبه الله لبني البشر، وفرضوا على الجميع الحماية والتبعية لأصحاب الصكوك.. ولربما يعد من أكثر مظاهر هذه الانتفاضة البحرينية تعبيراً، وقد أطلعني عليه مجموعة من الشباب، هو موقع على شبكة الإنترنت يقوم بالعد التنازلي للفترة الزمنية المتبقية من هذه الدورة الانتخابية، باليوم والساعة والدقيقة، كتعبير عن انتظارهم، بفارغ الصبر، لانتهاء مدة النواب الحاليين والتخلص منهم.. فكان نقاشا دار بيننا اكتشفت منه مدى سخط قطاع كبير من شبابنا، الصامت والمنشغل ببناء حياته المهنية والعائلية والاجتماعية بجد واجتهاد، على هذا الانفعال البرلماني المبالغ به ضد "ربيع الثقافة" الذي بدأ بإظهار هوية البحرين الثقافية الجميلة والبعيدة كل البعد عن التطرف الديني والتعصب المذهبي.. الثقافة الملتزمة بالجمال والتسامح والإبداع الفني الراقي وتأثيراتها في التخفيف من حدة التوتر السياسي المتفشي في المجتمع.. ثقافة الانفتاح على ثقافات وعادات وفنون الشعوب، ورفض العزلة (المرضية) المفروضة بين الرجل والمرأة في البحرين.. وكان هؤلاء الشباب، وبكل إخلاص وبراءة، يدافعون عن رأيهم بأن ما تم عرضه في تلك المسرحية الاستعراضية كان فناً معلناً وبريئاً، و"بات على المدافعين عن الأخلاق الحميدة أن يتجهوا للبحث عن الفساد المستشري بعيداً عن الأنظار.. ويبحثوا عن أسبابه".. هؤلاء الشباب من يجب أن ينتبه إليهم مفتعلو الأزمة ضد "ربيع الثقافة" وكل المشاريع الثقافية والفنية التي يتلهف لها الناس للاستمتاع والتعلّم ورفع مستوى الوعي والفن والجمال في المجتمع.. واحذروا المزيد من الضغوط، لأنكم لن تضمنوا ردة فعل المجتمع الذي شب عن الطوق والوصاية..

اخبار الخليج- 26 مارس 2007

******

فعلاً هَزُلتْ

أحمد جمعة

استغرب كل الاستغراب.. بل وأكثر من مجلس النواب بكل كتله وألوانه وأمزجته هذه الفزعة على الثقافة وهذه السرعة في تشكيل لجنة تحقيق وهذه الطفرة في الغيرة على الاخلاق والفضيلة في ذات الوقت الذي تزدحم فيه البلد بالمشكلات وفي مقدمتها طفرة ارتفاع الاسعار التي يبدو ان النواب لم يعانوا منها بحكم حجم رواتبهم وامتيازاتهم، وبالتالي فهم اقصى ما يدفعون باتجاهه هو الفضيلة التي تهددت بفعل مهرجان الربيع الذي وَلَّدَ هذه الغيرة على البلد وعلى شعبه. باختصار مفيد ومن دون ديباجات، هناك اسعار مرتفعة في كافة المجالات ابتداء من اسعار ايجارات الشقق وأمواس الحلاقة مرورا بالخضراوات والفواكه وانتهاء بحلويات الاطفال وملابسهم وحليبهم .. ومنذ ان قفزت هذه الاسعار بهذا الشكل المفاجئ والجنوني، لم نرَ لجنة تقترح ولا تحقيقا يجرى ولا دراسة او حتى مجرد تحرك لذر الرماد في العيون من قبل هؤلاء النواب الذين تداعوا بكافة كتلهم وألوانهم في جبهة وطنية نيابية واحدة ضد مجرد عرض مسرحي قبل ان ينتهك الآداب وكأننا البلد الوحيد في هذه الدنيا الذي يستقبل هذه العروض وكأن البلد قد احترق او انتهك عرضه بهذا العرض المسرحي. استغرب كل الاستغراب ان ثورة الاسعار الجنونية التي طالت حياة المواطن والتي زادت من معاناته المعيشية لم تستدع حتى مجرد التفكير في لجنة من قبل النواب فيما هذا العرض المسرحي وبعد أقل من أيام معدودة قد تم تشكيل اللجنة وسُمِّيَ أعضاؤها فيما ازمة الاسعار مضى عليها أشهر من دون تحرك فيما المواطن يحترق وينشوي ويتمزق وهو يجد نفسه مفلساً من دون حتى أدنى شعور من قبل هؤلاء النواب بما يعانيه. ان ما تمر به البحرين هذه الأيام من تجربة تسمى ديمقراطية هي في الواقع الملموس دكتاتورية صناعة بحرينية تجد فيها النموذج الأمثل لما يسمى في السياسة بالسيطرة المتكاملة أو هيمنة السياسة على السياسات بمعنى لا توجد في المجتمع سياسات، بل سياسة واحدة حتى لا أقول دين واحد فيما يجري اليوم لا شأن له بالدين بل بالسياسة. ومن هذا المنطلق فان ما تم حتى الآن بشأن الثقافة ومحاولة جرها الى الذبح على ايدي هؤلاء النواب البعيدين عن واقع البحرين الحضاري .. يعكس ما وصلت اليه البحرين في عام 7002، مقارنة بما كانت عليه البحرين في عام 7091 اي قبل قرن من الزمان حيث كانت النوادي الثقافية والمجلات الثقافية والتبادل الثقافي يجري في البلاد بصورة اكثر تحررا وديمقراطية من اليوم. واذا كانت البحرين في القرن الماضي بل الذي قبله لم تشهد مثل هذه الثورة المضادة للثقافات والحضارات والتسامح فاننا اليوم وفي هذا الوقت بالذات يندى جبيننا لما يجري في هذا الوطن الذي كان يقال عنه بلد التسامح والحرية والابداع.. فهل هذا هو فعلا البلد الذي عاش فيه طرفة بن العبد؟ وهل هذا هو البلد الذي ولد فيه عبدالرحمن المعاودة وابراهيم العريض؟ .. هل هذه هي فعلا البحرين التي عرفت أول تعليم وأول تلفزيون ملون وأول مدرسة للبنات وأول وأول؟ .. حتى فقنا مؤخرا على اننا أول بلد .يحاصر الثقافة ويشكل لجنة لمحاكمتها. وفعلاً لا أبالغ ان قلت ان البحرين أول بلد عربي تشكل فيه لجنة للتحقيق في الثقافة.. فعن أي ديمقراطية تريدوننا أن نتكلم بها بعد الآن؟. وبدلاً من تشكيل لجنة لمواجهة ارتفاع الاسعار وانقاذ المواطن من هذه النار، فإننا نشهد تدافعاً وسباقاً بين النواب لاثبات وطنيتهم في موضوع الثقافة.. أقول هَزُلَتْ...

الايام – الاثنين 26 مارس 2007

******

إذا أردت أن تكون كبيراً

عبدالله خليفة

لا تستطيع الذات المتضخمة في السياسة والثقافة أن تكون ذاتاً، هي كانت محاولة، ثم فشلت.. حين كان السياسي يرتكز على بعض حاجات الناس وصوته بينهم كانت ذاته تتشكل، لكن مطامحه الفردية ورغباته المعيشية المتضخمة قضت على ذاته الحقيقية، وحرقت أجنحته البازغة للطيران في فضاء الحرية!
والمغني الذي كان صوت الفقراء والعمال واستفاد من آلامهم وتضحياتهم وجد أن عالمهم السياسي سقط، كما توهم، فركب قطار التجارة، وحول الفن إلى حصالة، فحصل على النقود الكثيرة ولكنه لم يحصل على العظمة! رجل الدين الذي ارتفع فوق مساعدات الدول التي تجنيها من فقراء القرى وعاطلي المدن وتضخها في كرشه، لم يفهم الإسلام إلا كما تصوره وزارات الداخلية في هذه الدول، ويحصل على نسخ منها بالفاكس، وتوهم الإسلام حركات وثياباً وعصياً ومطاوي وسيارات مفخخة! والكاتب الذي حول الكتابة إلى بوق لشخصه، فلم يعد يلتفت إلى المناخ وتحولات الحياة، وتبدل الآراء والمهم لديه هو ذاته، وأن يكون نجماً، فيقذف بقنابله على الدين وحين تجيئه تهديدات بالقتل يتراجع ويعتذر. لا يفرق الكاتب بين الإسلام كنضال خاضه الأجداد لتشكيل حضارة وبين قوى الاستغلال والفساد التي وظفت مبادئ شكلية وحولتها إلى مطلق. ودائماً سوف يصطدم من يتاجر بالحداثة مع من يتاجر بالدين، هذا لا يريد أن يناضل وسط الناس، وذاك لا يريد إلا أن يركب الناس! كلاهما يعمل في حقل الأشكال والأزياء الخارجية والموضات والادعاءات، كلاهما موجه من الغرب الشمولي أو من الشرق الشمولي، ذاك يريد هدم الإسلام وهذا يريد تحنيط الإسلام! هذا يعتبر الحداثة عرياً وهذا يعتبر الإسلام خيمة وثياباً تغطي النساء وتطلق شهواته! هذا يعتبر الرقص ديناً وهذا يعتبر الرقص كفراً! هذا يعتبر أن ضرب العرب بحجارة سجيل هو الطريق للنهضة، وهذا يعتبر احتلال العرب للعالم هو الطريق للعودة إلى الأصول! كلاهما يمثل التجار، هذا يتاجر بالدين وقد فقد إنسانيته وثوريته ونهضويته وذاك يتاجر بالحداثة، وقد تحولت إلى دكاكين الموضة ومطاعم الوجبات السريعة، والمهم أن تملأ الملايين جيوبهم جميعاً! هناك نقص مبدأي قبل أن يكون نقصاً معرفياً، أي هناك نقص أخلاقي وروحي ونضالي، فتجار العلب الدينية والثقافية والسياسية، يتوحدون في قطع الدين والثقافة والسياسة عن نضال الجمهور، وتطوير حياته، فلأنهم انطلقوا من ذواتهم التي ضخمتها القوى الاجتماعية لأغراض متعددة، وحولتهم إلى أدوات في ألعابها التي لا تتوقف، التي ارتكزت على جهد جيد سابق منهم، لكنهم انقطعوا عن مواصلة مشوار النضال في الدين والثقافة والسياسة، وغدت مصالحهم الشخصية أكثر ما يهمهم، وحين يصطدمون مع بعضهم بعضا فلأنهم انطلقوا من أشكال متحجرة وليس من مضامين حية تهم البشر.

اخبار الخليج- 26 مارس 2007

******

مارسيل وقاسم وجحيم الآخرين

باسمة العنزي

كلنا يعلم أن لكل مسألة أوجهاً متعددة، حتى عندما يعلو صراخ البعض وتصدح قريحتهم بالبيانات وتملأ المساحة الآمنة بضوضاء الشجب والاستنكار والولولة على الحرية المفقودة والابداع المنتهك, تبقى الأسئلة بحاجة الى أجوبة صادقة ومقنعة!
"صوت 32 نائبا بحرينيا من أصل 40 يمثلون مختلف الكتل السياسية في البرلمان على تشكيل لجنة تحقيق مع وزير الاعلام البحريني حول مهرجان "ربيع الثقافة" وخصوصا في بعض مشاهد العرض الافتتاحي "مجنون ليلى" المأخوذ عن كتاب للشاعر البحريني قاسم حداد قام بتلحينه مارسيل خليفة، والتي اعتبرها الاسلاميون "لقطات استعراضية خليعة"، وكان المجلس الذي يسيطر عليه النواب الاسلاميون سنة وشيعة صوت قبل أيام لصالح اقتراح تقدمت به كتلة "الأصالة" (سلفيون) بتشكيل لجنة التحقيق وحظي اقتراحهم بالأغلبية اليوم عند التصويت عليه". نقلا عن ايلاف بعد العرض الذي وصف باحتوائه مشاهد جريئة والذي غادره الجمهور أثناء العرض لخدشه حياءهم وبعد امتعاض الكثيرين من متذوقي الفن والمشاهدين الذين حضروا للاستمتاع بقيمة فنية توقعوا وجودها وبخاصة أن النص للشاعر قاسم حداد والتلحين للفنان مارسيل خليفة, وكلاهما معروف في مجاله، لكن صدمة المتلقي لم تعبر لضفاف المبدعين اللذين كابرا، والقوا بيانا يستنكرون فيه مصادرة حريتهم الابداعية تحت عنوان "ارفعوا أيديكم عن حناجرنا":
"هل يليق بوطن متحضر أن يمثّل شعبه نوّابٌ يتوهمون امتلاك السلطة... سلطة المنع والكبح والمصادرة؟ نواب ترتعد فرائصهم كلما لاحتْ في الأفق قصيدة أو أغنية لا تمتثل لشروطهم فيستنفرون الكراهية والتعصب؟ نوابٌ يرون الشيطان الرجيم يسكن في كل أغنية أو رقصة أو مشهد أو نص؟، نوابٌ يظنون أن الله يبسط، لهم وحدهم جناحَ الرحمة ويعادي الآخرين؟، نوابٌ ليس من مهمات (مجلسهم) أن يعطي شعباً برمته درساً في الأخلاق، ولا لأحدٍ منهم أن يعلمنا الوطنية، ما يحدث هنا، حدث ويحدث في أراض عربية متفرقة... بشكل أو بآخر. المثقف العربي متهم دوماً، أو عرضة للاتهام في أي وقت، ما دام يبدع. لذا فهو ليس مطالباً بأن يبدع فحسب، لكن أن يدافع أيضاً عن ابداعه ضد قوى القمع المتربصة به عند كل منعطف".
ألم يتساءل قاسم ومارسيل أن المشاهد الذي انسحب من صالة العرض له وجهة نظره أيضا ويجب عليهما احترامها؟! وأن النواب الأغلبية الذين اعترضوا لهم وجهة نظرهم التي يتحتم عليهما تقبلها إن كانا يؤمنان فعلا بالرأي الآخر؟! ألا يمثل هؤلاء النواب أغلب فئات الشعب وعليهما تفهم ذلك؟
قاسم حداد الذي جعل العامة تأخذ موقفا من نصه "الذي كتبه بطريقة مختلفة عن القصة التراثية المعروفة لمجنون ليلى" ومارسيل الذي أحبه الناس من خلال أغانيه الوطنية الجميلة, وأثار استياء العامة. حتى أن البعض وصف ربيع الثقافة بربيع السخافة!
وبما أني لم أشاهد العرض المسرحي ألا أن الصور المنشورة للعرض في موقع ايلاف تشبه مشاهد الفيديو كليب التي يخرجها جاد شويري! والذي أيضا أطلق على نفسه اشاعة للحصول على الانتباه أخيرا.

• هل عمد قاسم ومارسيل لتسليط الضوء على تجربتهما واعطائها الحيز المتمرد والاصطدام المتعمد بقناعات الجمهور لتحقيق شيء من الانتشار والتماشي مع موضة المبدع المضطهد, الذي تحاربه مؤسسات الدولة ويتم ارهابه ورفع دعاوى قضائية أحيانا عليه غالبا ما تساعد فى زيادة الاقبال على أعماله المهملة!

• هل كان بإمكانهما الاعتذار وأعادة ثمن التذاكر للجمهور الذي ندم على حضوره, والاقتناع أن الفن أيضا لا اجبار فيه ولا تعنت, وأن ما لم يصفق له المشاهد لا يعني أن الخلل في المتلقي الذي لم يستوعب ابداعهم, وأشاح بوجهه بعيدا عنهم, بل الأرجح أن ما قدم له كان دون المستوى!

• متى يعترف مبدعونا "غير المتلهفين الى الشهرة غالبا والمتواضعون بدرجة غريبة"، عندما يسقط لهم عمل, عندما يفشل لهم مشروع, عندما لا يوفقون في تجربة ابداعية, أن الحظ لم يحالفهم هذه المرة! أم أنهم يمثلون حالة من حالات النجاح المتواصل التى تستحق اشادة الجميع و اعجابه!

قاسم ومارسيل والنواح على تعثر عمل لا يعني أبدا أن الآخر يريد إلغاءك أو تدميرك, الآخر لا تعنيه أنت بقدر ما يعنيه ما تقدمه له, أن تدعوه للعشاء في مطعم فاخر وتقدم له طبقاً من الحجارة الصغيرة ترغمه على تناولها والا...! عندما يرفض ويحتج تبدأ بالصراخ والنحيب أن العامة لم يقدروا لك مجهودك العظيم في التجريب بهم و استخدامهم للوصول لمحطات بعيدة وبنظرة لا يمكن لها سوى أن تكون أحادية!
قاسم حداد الذي قال "ما الذي تريده من هذا المجتمع؟ ما هي نقاط ضعفك؟ فاذا كانت هناك نقاط ضعف يمكن للمجتمع أن يخترقها فانك ستكون أضعف من أن تحمي أحلامك الخاصة, فلماذا تسلم أحلامك الخاصة للأحلام العامة؟". حصاد 2002
أحلامنا الخاصة ستكون عامة أن حرصنا على أن نقدمها لهم,أظنه قرار أختيارى بالدرجة الأولى!!بعد تجربة (مجنون ليلى) كى تمشى مخفورا بالوعول أرفع يدك عن حنجرة الآخرين عندما يبدأ الرهان على الاختلاف

عن ايلاف
عن الراي الكويتية- الإثنين 25 مارس 2007

*****

حتى "الثقافة" سيسوها

عبد المنعم ابراهيم

يتزامن مهرجان "ربيع الثقافة" الذي يقام حاليا في البحرين مع "مهرجان الدوحة الثقافي" في قطر، وكذلك مع "المهرجان المسرحي" الذي يقام في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنني لم أجد تهويلاً وتضخيماً وأصواتاً معادية لفعاليات هذين المهرجانين الثقافيين والفنيين مثلما حدث في
البحرين، هذا على الرغم من أن "الشارقة" هي أكثر الإمارات محافظة وتشدداً اجتماعيا، ولكن لم يرفع أحدهم "العصا" ليجلد بها المهرجان المسرحي! وكذلك قطر، حيث يتم الافتتاح على مستوى رسمي عالٍ بمحاضرة من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بعنوان: (دور المواطن في بناء المجتمع حاضراً ومستقبلاً)، ثم أمسيات شعرية يشارك فيها (أدونيس وأسيني الأعرج، وكمال أبوديب، وسيف الرحبي، وسعدي يوسف، وقاسم حداد، وميسون القاسمي) وعروض راقصة لفرقة "جوليا ودومنا" السورية، وحفلات غنائية بمشاركة الفنانة اللبنانية "نجوى كرم"، وحفل موسيقي للايطالي (الساندرو سافينا)، ومسرحيات قطرية وأجنبية. تعمدت أن أذكر هذه التفاصيل في "مهرجان الدوحة الثقافي"، لكي يكتشف القارئ أنه لا يختلف كثيرا عن مهرجان "ربيع الثقافة" البحريني، الذي تنتشر إعلاناته في الشوارع، ورغم ذلك لم نجد من يقذف مهرجان الدوحة بالحجارة! ولا خرجت مظاهرات للتنديد بأنشطته! ولا تصايح نواب في البرلمان: (عليّ الطلاق بالثلاثة)! لماذا تحولت البحرين الى (قاموس) سياسي؟.. كل شيء يتم النظر إليه من زاوية سياسية أو حزبية أو عقائدية أو طائفية.. لماذا؟ حتى "النواب" الذين كانوا يأخذون على (المعارضة) انها تقوم (بتسييس) البطالة أو التجنيس أو الإسكان.. هم أنفسهم يقومون حاليا (بتسييس) مهرجان "ربيع الثقافة" والنظر إليه من زاوية عقائدية متطرفة! إذن ما الفرق بين الاثنين؟.. فالكل يقوم (بتسييس) الأمور التي لا تتماشى مع أجندته السياسية والحزبية! لقد أصبحت البحرين غارقة في الشأن السياسي والعقائدي المتطرف، ليس في الشارع فحسب، بل كذلك في البرلمان، والكل يدعي انه (حامي حمى) الأخلاق الحميدة! بينما الإخوة في قطر والشارقة ودبي وأبوظبي يتفرجون علينا، ويتغامزون خلسة فيما بينهم قائلين: "هل هذه هي البحرين التي أوجعوا دماغنا عنها"؟!

اخبار الخليج- 27 مارس 2007

*****

جلسة مجلس النواب الدراماتيكية

بدر عبدالملك

يبدو أن جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء 02 مارس 7002 كانت حامية الوطيس كمعارك خالد بن الوليد وعنترة بن شداد والمهلهل وكليب. وقبل الشروع في التعليق واستخلاص النتائج من تلك المداخلات التي أزاحت القناع، نود أن نوضح لبعض القراء ماذا تعني هنا الدراماتيكية التي بكل وضوح تعني "المثيرة"، وبالفعل كانت مثيرة ولكن أرجو ألا تفسر قاموسيا وفق الاتجاهات الفكرية والسياسية، فما هو مثير عندي قد يبدو غير مثير وغير ذي قيمة لشخص بليد الإحساس، وما يبدو موضوعًا باهتا عندي يتحول إلى موضوع مثير لدرجة يحتاج إلى إسالة الدماء.
فالإثارة في الكلمة والقاموس الديني لا نجد لها إلا تفسيرا واحدا هو تحريك الغرائز وإثارة الفتنة وخلق نسيج عنكبوتي من الفواحش، لهذا لا يعرف التيار الديني للعالم الذي يتحرك فيه إلا رؤية أحادية بذلك المنظور والمجهر القاتم، أما الأشياء الأخرى والمجتمع المخالف فلا يعترف به، وليس مستعدا ان ينصت للآخرين لكونه تيارًا اعتاد نمطا من التفكير الصنمي، ويطالبون الناس بتأليههم كرجالات في الأرض ويفترضون مكانة خاصة ومطلقة وبأنهم يمثلون البشر في كل أمورهم الحياتية، وكل ما هو خارج هذا النطاق التسلطي المحصور بهم مرفوض بقوة، وكأنهم يفهمون التعددية والتنوع الثقافي والفكري ومجلس النواب والانتخابات والديمقراطية - التي كانت في عرفهم حتى الأمس القريب إبداعًا غربيا مستوردا! - حكرا عليهم فيرددون دون وعي مفردات إننا نمثل الشعب، وتناسوا أن ليس هناك شعب مطلق في الانتخابات، وإذا ما فاز نائب في دائرة فهناك آخرون لم يصوتوا له، وهؤلاء سواء كانوا أقلية أم كتلة كادت تطيح به لولا تدخل الأقدار الخفية في انتشالهم في اللحظة الأخيرة.
لهذا ننوه ونوضح أن ممثل الشعب في المجلس ليس بالضرورة هو ممثل لكل الشعب، وإنما للأغلبية في تلك الدائرة الانتخابية التي أوصلته إلى كرسي مجلس النواب، كما أن الانتخابات بكل أصواتها وزخمها ليست بالضرورة تعبيرا عن نوعية المجتمع وكتله المجتمعية وفئاته المهنية.
واعتبر بعض الساسة وفقهاء التشريعات القانونية ذلك النمط من الديمقراطيات، ديمقراطيات الأغلبية ديمقراطية استبدادية، إذا ما حاولت التسلط على الأقلية ومصادرة حقوقها ومصالحها، وهذا ما يبدو غائبًا للنواب الذين تم انتخابهم، فهم رددوا في الجلسة - كل بطريقته - أغنية قديمة، "نحن نمثل الشعب !!" وانتخبنا الشعب !!، وهكذا رددوا في جلسة الثلاثاء أنهم يدافعون عن أخلاق الشعب، وكأنهم يستدرون عطفه ويمثلون عليه، لكونهم يشعرون بأنهم مقصّرون وسلبيون في الدفاع عن المطالب الحقيقية للشعب، لهذا من الأفضل التعويض عن نقائصهم في الدفاع عن الأخلاقيات.
وجدنا بعض النواب المنقضّين على ربيع الثقافة يهددون أنهم سيشكلون أيضا بعد لجنة ربيع الثقافة لجانا لمحاسبة الفساد الإداري والمالي!! فنضحك لدرجة تهتز منها غرفنا، حيث انتخب بعضهم لدورة ثانية على الرغم من عجزهم في الأولى، وسيظلون عاجزين عن فتح ملف الفساد المالي والإداري بصورة جدية والاستمرار فيه إلى آخر المطاف، فهم يدركون عجزهم الحقيقي في الدفاع عن حقوق ومصالح الناس، ولكنهم لا يمانعون في المساومة بإطاحة رأس هذا الوزير أو ذاك لكونهم يركزون على الأمور الفرعية والأقل أهمية حول ما يسمونه بالفساد الأخلاقي.
فتنصب قضيتهم في ملاحقة السياحة والفنادق ومحلات يرونها مخلة بالشرف والقيم الدينية، ولا بأس أن يكون هذه المرة ربيع الثقافة، وتتحول الشيخة مي آل خليفة الرأس المطلوب قطعه.
هكذا نرى المشهد وما وراء المسرح والكواليس السياسية للتيارات، التي توافقت الآن ضد ربيع الثقافة وتطاحنت أيام الانتخابات وقالت فيما بينها من بذاءة الكلام وتآمر لم نعرفه من قبل، ولكنها عادت لمحاربة ربيع الثقافة معًا كثمن لصفقات ستعقد معا حول ملفات لاحقة من اجل مصالحهم الخاصة باسم ضحية جديدة اسمه ربيع الثقافة وعلى "مذبح الشعب". وباسم الشعب والأخلاق والدين تم ركوب الموجة، بينما يعرف الجميع أن نواب المجلس الحاليين كانوا قبل ميلاد ربيع الثقافة وقبل ولادة مجلس النواب، لديهم طروحات عدوانية لكل ما هو تنويري، ويتعامل مع الحضارة من وجهة نظر حرة للقضايا العديدة.
ولو فتحنا ملفات الماضي لوجدنا حقيقة ما كانوا يرددونه من كراهية وعداء للانفتاح باسم دفاعهم عن الشرف والفضيلة دون أن يكلفوا أنفسهم الحديث عن مدى حجم المشاكل في العائلات والمجتمع. لهذا فالمسألة أعمق وابعد من حالة الاستماتة الخفية من اجل البقاء في مواقعهم لمدة أطول وتملك المجتمع وسطوتهم عليه للأبد.
من هذه المقالة أحيي شجاعة شاعرنا الكبير قاسم حداد والفنان الشهير مارسيل خليفة في بيانهما، حيث لمسا الحقيقة وكشفا عن الاستبداد، فاستعير من بيانهم جملة مهمة مقتضبة علينا تحويلها إلى أغنية أو شعار قادم وهي، "إنهم يتربصون بنا في كل منعطف!!". نعم إنهم هكذا دائما وسيظلون حتى آخر الزمان.
فقد كانت تثير حفيظتهم دائما مفردة الظلاميين لشعورهم الداخلي أنهم ضعفاء في مواجهة الشمس، شمس الحرية القادرة على فضح ممارسات نصب المشانق في الطرقات وتسنين الخناجر فيما لو أتيح لهم ذات يوم فعل ذلك. لحسن الحظ أن الشمس والهواء تدخل رئتنا بحرية فهما الجزء المتبقي بعد المحاولة الشرسة ضد ربيع الثقافة.

الايام

*******

مناهضة الثقافة وثقافة البذاءة

بدر عبدالملك

تطرق بعض النقاد في الغرب ذات يوم، لأهمية دراسة الأدب الرديء كما هو الأدب الجيد والإبداعي، باعتبار أن الأول هو تعبير عن اتجاهات ثقافية ومجتمعية، ويمثل ظاهرة لمستوى من مستويات الثقافة السائدة، وواحد من اتجاهاتها، ولا يمكن مقارنة الأدب الجيد في ظل غياب تقييم الأدب الرديء، وبات تصنيف الجيد معادلة غير مكتملة موضوعيا.
فيقودنا هذا الحديث إلى أولئك الناس في مجتمعنا الذين يكنون عداءً ظاهرا ومستنبطا إلى حد الكراهية لكل ما هو جديد ومعبر عن روح المجتمع وتقدمه وإبداعه الفكري والروحي، فلا يرون في الثقافة إلا "سخافة"، مما يجعلنا نفهم تلك العدائية الثنائية لثقافة الحياة، وتمسكهم الدائم والمستمر لثقافة الموت والتدمير، كجزء من ثقافة معادية للحضارة بكل تجلياتها المادية والروحية، فتنهمر مفرداتهم اليومية في تلك الثقافة البذيئة التي تعكس مكونات نفسية وروحية لظاهرة تسمى النيوفوبيا (neophobia) فهي تعبير عن الخوف من الجديد، وهذا الاتجاه يناقض اتجاه تلك المجموعات الاجتماعية الذين يميلون إلى التجديد والحداثة والميل والانجذاب إلى كل ما هو عصري ومتجدد وهم دعاة النيوفيليا (neophilia)، بين هذين النقيضين يتصارع المناهضون للثقافة والمولعون برفع شعار ثقافة البذاءة الذين يهتمون في خطابهم بتحريم كل شيء، ومعاداة كل ما هو يخالفهم، فلا يرون في صورة المجتمع ذلك التنوع محاولين استنساخ الثقافات الرديئة ونسيان الثقافة وتعدديتها وذوقها وتلونها وتجددها على طريقتها، محاولين إرجاع عجلة التاريخ نحو الوراء متشبثين بالسلف الصالح وكأنما حركة التاريخ لا تتقدم نحو الأفضل، فلا ترى في صورة العصر وثقافته ومنجزاته المعرفية والإنسانية العظيمة إلا ذلك الساق العاري والجسد المكشوف، فتبدأ لعنتهم وينهمر ويتطاير صراخهم. وكأنما ذلك الصراخ بصوت عال أمام سلطة الصحافة ودورها تعبير عن نزعة مناهضة للحريات وحق التعبير والاختلاف في ظل الشرعية للجميع.
فهناك خطوط وقيم ينبغي على الجميع احترامها ومعرفة حدودها ولا يجوز أن يسود مكان التسامح روح العداء والكراهية، خصوصا إزاء الصحافة والثقافة باعتبارهما المسرح الواسع للتعبير عن جوانب الإنسان والمجتمع؛ الأول يدافع ويتابع مشاكله بأدواته الخاصة، والثاني يعكس تلك الروح بأدواته الفنية والإبداعية. فلكل أشكال الثقافة والتعبير صيغها وأساليبها التعبيرية فلا يجوز أن ننظر بذلك المنظار العدائي لهما.
من يحاولون "تجريف الثقافة" من جذورها كما فعل الطاغية صدام حسين مع نخيل الدجيل ينسون أن الثقافة لها جذورها الأعمق في روح الإنسان بل هي الإنسان وثنائيته الكونية، فلا يستطيع احد الوصول لها ولن ينجح احد بتدمير تلك الغابة الجميلة إلا بالقضاء على الإنسان من كوكبنا. ومن دون الموسيقى والشعر والرواية والمسرح والغناء والرقص والسينما وكل عناصر الإبداع المتجددة في عالم الثقافة، لا تستقيم الحياة أو تزدهر، ولا يمكن للقوى الظلامية من تجريفها واستئصالها حسب رغباتهم، كما لا يمكن اجتثاث الفرح ولحظته لدى الناس وهم يعيشون سعادة ربيع الثقافة محاولا الآخر بأشباحه تكريس خريفه الأبدي على ضمائر وعقول الناس وتعتيم حياتهم للأبد بذلك الكابوس اليومي المناهض للحريات والثقافة وحرية التعبير.
ترى ما الذي تعلمه الفارس من تلك الصحراء إن لم يكن الحب والشعر والموسيقى والحداء، وذلك المدى الرحب والأفق الواسع والتطلع للسماء الممتدة بحثًا عن الأسئلة والمغامرة والماء والحياة والمرأة والحب، لهذا لم يكن مجنون ليلى إلا عاشقًا من طراز رفيع لا يفهمه رجل متعطش للعيش في خيمة التخلف ومناديًا بالعودة للوراء من مفهوم ضيق الأفق ولصحرائه الجرداء الخالية من الحب، ومن مفاهيم متكلسة حول معنى قيم التطور والثقافة والتحرر، وفي مقدمتها تحرير العقل من حجارة وكهوف الموت وثقاقته السوداء. لماذا يطارد الموتى بروحهم العصافير وهي تغني؟ لماذا تنهمر مفردات البذاءة لجمالية الرقص التي قال عنها دياجليف مصمم رقص "الباليه" بأن الرقص تعبير عن فلسفة الجسد. ولكن دعاة البورنو بمخيلتهم لا ينظرون للجسد إلا بمخيلة مريضة. من يحرمون الموسيقى لا تشدهم في الكون إيقاعات الفرح ولا يستوعبون معنى نشيد الإنشاد لشيلر أو بتهوفن، ولن تحركهم تلك الطبول العميقة في الغابات الأفريقية أو قاعات الحداثة للكونغا الكوبية، فكل ذلك في مفاهيمهم مجرد ثقافة سخيفة ومنحطة، لأن موت الروح لا يمكنه ان ينتج ثقافة راقية وخطابا مجتمعيا متقدما. فهم بمناهضتهم للثقافة يحاولون تصدير ثقافتهم الصفراء وأوراقهم المهترئة وتأبيد خطابهم المقبور وبكائياتهم المكررة.
من لا يحبون الثقافة التي تخترق عالمنا لا يرون أن حركة التاريخ لا يمكنها أن تتقدم من دون الثقافة مهما انطلقت سيوفهم القديمة عبر الصحراء، فقد كان للقلم قبل السيف، والشاعر قبل الجلاد تعبيراتهما الأبدية والمتجذرة في حضارة الأمم والشعوب. ترى من هو خير جليس في الزمان كتاب التنوير أم خطاب البذاءة والعداء والكراهية لكل ما هو جميل يشدنا نحو الحياة؟ فأنت جميل تحب الحياة فكيف عبادك لا يعشقون؟ ما الذي يحرك الكون وجمالياته في تلك اللوحات والتعبيرات الجسدية الراقصة والاشعار والأغنيات والسلالم الموسيقية، فالغناء سر الوجود، أم سلالمكم التي تقودنا نحو جحيمكم الأسوأ من جحيم دانتي؟! يا للّه لَكَم الحياة كاسدة وفاسدة وقاحلة من دون الثقافة وكم هي سجن رهيب ومحاكم تفتيش عصرية، حينما تتحول الصحافة ورجالاتها إلى مفردات مختزلة في لسان لم يتحصن كلاميًا قبل ان يتحصن برلمانيا. من يحبون ثقافة الحكمة بالضرورة عليهم قراءة نهج البلاغة للإمام الخليفة علي بن أبي طالب، الذي قال "الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به وإذا ما تكلمت به كنت أو صرت في وثاقه". فهل نتحاشى ثقافة البذاءة ونحترم ثقافة الإبداع والحياة والتقدم والتعبير والنقد وتقبل السلطة الرابعة، باعتبارها الصوت المدافع عن الشارع السياسي والمجتمعي بكل مستوياته؟

الايام

*********

انتصاراً لحرية الثقافة والصحافة

حسن مدن

أقام المنبر التقدمي مساء أمس الأول، وضمن ملتقاه الأسبوعي، ندوة بعنوان (دفاعا عن حرية الصحافة والثقافة) تحدث فيها بشكل رئيسي أمين عام جمعية المنتدى إبراهيم علي وأمين سر جمعية الصحفيين لميس ضيف، الصحفية في جريدة الأيام. ولا يبدو غريبا الجمع بين قضيتي الدفاع عن الثقافة والصحافة في ندوة واحدة، كما لو كانا موضوعا واحدا، فالتلازم بينهما فرضته طبيعة الحملة التي تشن الآن ضد مهرجان ربيع الثقافة، وفي الآن ذاته ضد الصحافة وكتابها الذين انتصروا، من موقع إخلاصهم لرسالة مهنتهم، للثقافة والإبداع في هذا الوطن اللذين كانا هدفا لتحريض واسع ضدهما، وجد أوضح تعبير له في تشكيل لجنة التحقيق النيابية التي لم تتردد كتلة واحدة من كتل المجلس في أن تكون في قوامها. وكان أمرا مثيرا لاستهجان الكثيرين، بمن فيهم أولئك الذين لا يبدون حماسا لمهرجان ربيع الثقافة. أن لجنة التحقيق الأولى التي تفتق عنها ذهن كتل رئيسية في المجلس شكلت لمحاكمة الثقافة، كما لو أن أصحابها نصبوا أنفسهم حراسا لضمائر الناس، لأنه ما زال من غير الواضح حتى الساعة في ماذا سيحقق أعضاء اللجنة، الذين اختلقوا لأنفسهم مهمة، يهربون من خلال الانشغال بها عن المهام الكبيرة التي ينتظر الناخبون منهم أن يتصدوا لها. الأخ إبراهيم علي عبر في الندوة المذكورة عن خيبة أمله من التلكؤ الذي لمسه عند ممثلي بعض الجمعيات والمؤسسات ذات الميل الليبرالي في التجاوب مع المذكرة التي وقعت عليها أكثر من خمسين جمعية ومؤسسة، ورأى في ذلك تعبيرا عن التردد والتقاعس اللذين يسمان أداء القوى الليبرالية في المجتمع، ولأسباب مختلفة، ليس أقلها أهمية الخوف من سطوة القوى التي اندفعت في حملة محاربة الثقافة في المجتمع والتي بلغ نفوذها حد اختراق بعض مؤسسات الدولة. ملاحظة الأخ إبراهيم في مكانها، لأن جزءا كبيرا من تمكن هذه القوى من أن تمضي قدما في حملات من نوع حملة مناهضة الثقافة يعود إلى واقع تشتت القوى الليبرالية وتبعثر جهودها، وتفاوت تقييمها إزاء ما يجري حولها من تحولات، وكثيرا ما يحجب الخطاب السياسي الآني الأبصار عن حقيقة أن مثل هذه الحملات لا تأتي خبط عشواء، وإنما هي تندرج في سياق أجندة اجتماعية سياسية كاملة للاستيلاء على فضاءات المجتمع المختلفة، ومصادرة ما تبقى من هوامش أو حيز خارج سيطرة القوى المحافظة من أجل فرض نهج شمولي من لون واحد على المجتمع برمته، وأن التهاون في اتخاذ موقف من مثل هذا النهج سيعود بأسوأ العواقب على الجميع، بما في ذلك على القوى التي تؤثر الصمت عما يجري. قلنا في مناسبة سابقة إن ظواهر من نوع الجمهور الواسع الذي يتدفق على فعاليات ربيع الثقافة، وكذلك الثقل النوعي للجمعيات والمؤسسات التي وقعت على مذكرة الانتصار للثقافة والإبداع تقدم مؤشرات مهمة عن وجود شرائح اجتماعية ذات ثقل وتأثير في المجتمع سيكون لدورها أكبر الأثر إن هي وحدت جهودها، خاصة وان هناك قاعدة ذهبية تؤكد أن توحيد الجهود ليس مجرد تجميع كمي لها، فهو يتحول إلى فعل نوعي مضاف. في هذا السياق فإن ندوة المنبر التقدمي للدفاع عن الحريات العامة وحرية الثقافة والإبداع والصحافة، هي جرس إنذار آخر على ما يهدد مجتمعنا من مخاطر، وحث للقوى المعنية على ألا تأخذها في قول كلمة الحق لومة لائم.

الايام

أقرأ أيضاً: