يزعم الاسلامويون المتدينون أن الإسلام ليس فيه كنيسة عندما تستفزهم كلمة مثل ‘’المؤسسة الدينية في الإسلام’’ أو انتقاد سعيهم للهيمنة على كل شيء وضبط حياة الناس بالمسطرة والدقيقة والثانية عبر تدخلهم في كل تفاصيل الحياة العامة والخاصة للناس حتى داخل بيوتهم (امنعوا هذه القنوات التلفزيونية وتلك).
الحق أنهم لا يلحظون في جوابهم على عدم وجود كنيسة في الإسلام أنهم يمارسون الهيمنة نفسها التي كانت تمارسها الكنيسة وبنفس الأدوات وبنفس المنهج ونفس النتائج. المنطق بسيط في كلا الحالين: منطق الحلال والحرام وأداة القياس والمحاكمة واحدة: التعاليم. في تبرير سعيهم للهيمنة، كان قساوسة الكنيسة ورهبانها يرددون أنهم يخشون على أخلاق العامة من الناس.
انه نفس المنطق الذي يستخدمه الاسلامويون في سعيهم المحموم للرقابة والهيمنة على كل شيء: الحفاظ على أخلاق الناس.
لا ندري أي مؤمن هذا الذي يخشى عليه من برنامج تلفزيوني عابر، أو مشاهدة شعر فتاة في الشارع. وعلى ذكر الفتيات والنساء، هل تتذكرون ضجيج الحشمة الذي أرادوا من خلاله وضع قيود على ملابس الطلاب والطالبات في الجامعة. كان نقاشا عقيما الى ابعد الحدود لكن سؤالا واحدا غاب عن الجميع في غبار تلك المعركة: من هو أكثر هوسا بالنساء وأجساد النساء..؟ أصحاب المقترح والضجيج أم معارضيهم؟.
هذا الاهتمام بتفاصيل ملابس النساء وشعورهن ومشيتهن والكيفية التي يتحدثن بها أو يتصرفن بها ألا يدل على هوس غير طبيعي (مفردة مخففة لكلمة مرضي) بالنساء وأجساد النساء؟. ألا يدل هذا التدقيق غير الطبيعي بالتفاصيل الصغيرة في ملابس النساء وإشكالهن بهوس غير طبيعي بالنساء وأجساد النساء؟. تذكروا إنكم ستجدون هذه التفاصيل أو بالأصح الهوس غير الطبيعي بالتفاصيل في أكثر من مكان وأكثر من جدل وأكثر من اقتراح. هذا الهوس بالتفاصيل والانتقائية ليس سوى دليل على نوع من الناس يملكون دوافع مرضية للتلصص والوشاية. على هذا يمكنكم النظر إلى مقترح مثل إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتباره أوضح دليل على هذه الدوافع لأنه لا يتطلب إلا جيشا من الوشاة والمخبرين لمراقبة الناس في الشوارع وإحصاء أنفاسهم، والهدف هو نفسه: ضبط أخلاق الناس.
ومثلما كان قساوسة الكنيسة في القرون الماضية يملكون جوابا واحدا للرد على التساؤل عمن فوضهم لكي يمارسوا كل هذه الوصاية على الناس، فإن الاسلامويين لديهم نفس الجواب: الدين.
المنطق هو نفسه، فالتدين والانتساب إلى الكنيسة أو مؤسسة دينية أو حزب يكفي للحصول على تفويض ذاتي لفرض الهيمنة والرقابة.
انظروا إلى الكيفية التي تعمل فيها عقلية الرقابة والهيمنة على الناس وضبط أخلاق الناس: انتقاء مشهد أو اثنين من عرض موسيقى وشعري كامل ضمن برنامج منوع يمتد شهرا وأكثر لإقامة محاكمة لشاعر وفنان موسيقي عبر محاكمة مشهد واحد أو اثنين.
محاكمة تذكرنا بكل محاكمات المبدعين عبر التاريخ، أولئك الذين أحرقتهم الكنيسة واتهمتهم بالهرطقة قبل أن تأتي بعد قرون لرد الاعتبار لهم. محاكمة تذكرنا بالعداء المتأصل الذي يكنه المتدينون للعلوم والثقافة والفنون ولكل ما هو خارج إطار الدين. ومثلما لم تفلح الكنيسة عبر مساعيها للهيمنة المطلقة وضبط حياة الناس بالمسطرة والدقيقة والثانية وأشاعت العداء لها وللدين نفسه في مجتمعات أوروبا، فإن الاسلامويين وهم يقتفون طريق قساوسة القرون الوسطى يفعلون الشيء ذاته وسيقودون المجتمعات الى الطريق نفسه.
السبب جد بسيط ولا يتعلق بالإسلام ولا بالدين نفسه، بل يتعلق بهم أنفسهم. إنهم لم يفهموا بعد أن ‘’القسر’’ و’’الإكراه’’ هو ما ينفر الناس منهم شخصيا في البداية. القسر والإكراه كان خطأ الكنيسة التاريخي، وطالما عاندوا وكابروا فإن النفور يمتد لاحقا إلى الدين نفسه طالما أنهم يمارسون قسرهم وإكراههم باسم الدين. ثمة غيرة على الأخلاق تشعرنا بأن الأخلاق والدفاع عن الأخلاق ليس سوى حق حصري للمتدينين. فغيرهم لا أخلاق له وكان أولئك الذين احتشدوا يومين لمشاهدة العرض وكانوا بالمئات لا أخلاق لديهم ولا دين ولا ضابط.
الآن ليقل لي أولئك الذين اقترحوا تشكيل لجنة تحقيق وأولئك النواب الذين نافحوا عبر الصحف عن موقفهم هذا: هل يعتبرون كل أولئك الذين حضروا العرض واحتشدوا ليلتين متتاليتين بالمئات مطعونا في أخلاقهم؟
الحق أيضاً، انه مثلما فشلت الكنيسة في فرض لون واحد على مجتمعاتها، فإن العبرة هنا واضحة: لا يمكن فرض لون واحد على أي مجتمع. هذه عبرة التاريخ ولقد اختار هؤلاء اخطر الوسائل لفرض وصايتهم وقسرهم وإكراههم: محاربة الأدب والثقافة والفنون.
سيجد هؤلاء مقاومة لن تتوقف وهم أيقظوا الآن نوازع المقاومة لدى الجميع من نوع الحياة التي يريدون أن يفرضوها على الناس. وإذا كانوا سيردون بجوابهم المعهود وهو الطعن في أخلاق معارضيهم ومنتقديهم وتكفيرهم، فإن هذا ليس سوى الطريق الذي سار عليه قساوسة العصور الوسطى. منطق التكفير بسيط للغاية لكنه لا ينم عن أي ذكاء ولا إحساس بالمسؤولية بل فيه قصر نظر فظيع. وهو رد كفيل بزيادة المقاومة ضدهم لأن الكرامة البشرية عنصر ساقط من حسابهم طالما أنهم أعطوا أنفسهم الحق في توزيع شهادات الكفر والإيمان بمجانية تفوق الوصف.
الكرامة التي لا يستفزها أكثر من محاولة شخص أو جماعة فرض شيء عليها ضد قناعاتها. أي باختصار شديد معنى الحرية نفسه. وإذا تلعثمت الحكومة كعادتها ولم تقدم جوابا واضحا حول حماية الحرية الفردية المنصوص عليها في الدستور، في التفكير والمعتقد والرأي والثقافة والفنون والبحث العلمي، فإنها ستواصل جرنا إلى الكارثة.
ماذا بقي الآن لكي لا نقارن هيمنة الكنيسة في القرون الوسطى بالهيمنة التي يسعى إليها الاسلامويون المتدينون؟. يريدون الهيمنة على كل شيء، أما القول بأنهم يمارسون حقهم كنواب منتخبين مفوضين ففيه مغالطة تفصح عن عصاب. فهذا الجواب لا يقول إلا أن السعي للهيمنة والوصاية على الناس يتم بأداة دستورية. يفوتهم هنا أن الأخلاق ليست من اختصاص المجالس التشريعية. الفن والأدب لا يحاكم في المجالس التشريعية بل لا يحاكم أبدا: ينطلق ويطرح نفسه على الناس وهم الأجدر بالحكم عليه من دون وصاية من أحد: يتقبلونه، يرفضوه، ينتقدوه، يتعلقون به أو يطرحونه جانباً. هذا هو المعنى الوحيد لحرية التفكير والرأي.
الوقت-
شعر حداد، موسيقى مارسيل خليفة وعالمه الاستثنائي، صوت اميمة، لوحات تشكيلية راقصة، واحوال مختلفة لكل آلة موسيقية على انفراد ومعاً. انه التداخل الفني حين يصبح الشعر موسيقى، والموسيقى شعراً، وحين يتحدث الجسد عن لعبة الكلام ثم تتماهى الفضاءات معاً، فيكون للموسيقى حضورها الخاص ايضا رغم التماهي، مثلما يكون للكلام لعبته المتوغلة في استحضار الأزلي والموروث، ولكن لا ليلى العامرية هي ليلى التي قرأناها ولا قيس بن الملوح هو قيس الذي ترك في ذاكرتنا حبه العذري او حبه المستحيل حتى الجنون .
إنه جنون آخر يعبق فيه الحسي بشذا الوصال، ويترك السحري خادمه على الباب ليطرق في الافئدة بياناً وجودياً جديداً ينذر به المحرومين من نعمة الحب الحقيقي ويحرضهم على ادراك ذلك المخزون الروحي الذي حين يفجر مكنونات الحسي برهافة المحب للحب فإنه يصل بالروح الى أعلى مراتب سموها، كما حنينها للمطلق وللأبدي، كما دخولها في بذخ المنعتق من التفاصيل، ورتابة العناوين الى طقوس الحب الوجودي حتى الجنون وحتى اشعار آخر. هو الموروث، وهي الذاكرة الفالتة من وشم تقديس (الحرمانات) من دون استيعاب لمعنى مثل هذا الحب، فإذا بالحب والحب يجتمعان في خيمة التكامل واذا بالخيمة البدوية السالفة تطلق افواج خيولها المنعتقة حتى ليتحول الجسد الراقص في (شحنات) الطقوس التزاوجية الى عالم يأسر الأرواح بفضائه التشكيلي على وقع صوت وموسيقى مارسيل مرة، وعلى مخمل صوت اميمة وقراءة حداد مرة اخرى حتى ليكاد الصوت فيهم أن يعطي نكهة وطراوة الملمس للكلمات وحتى تتحول الاضواء الخافتة ليشع منها نور الروح اللاهثة في الصبوات المطلقة للحب. هو الفن حين يجتمع ليرتقي بالروح حتى إن بدا في بعض الكلام وبعض الجسد نشوز، لمن لا يدرك للحب معنى كفضاء وحده، فليس كل وعي جاهزاً حتماً لمثل ذلك الابحار الفوري وإن كان تحت شراع الشعر والغناء والرقص، وهي معا تعبث بخرائط المفاهيم والموروث وتخترق المتهندس في العقل عبر اروقة المحرمات، ففي ذلك شيء من الشطح الذي يخلخل المألوف نحو النشاز بالنسبة إليهم من دون ادراك أن للفنون عامة ومن بينها الشعر والموسيقى فضاءات لا تستكين مع المألوف عامة وإن كان له سطوة خارج المألوف نفسه، وانما هي الفنون تبحث في الأزليات الوجودية كالحب والسمو والحرية عن ازليتها وعن مكنوناتها المنفلتة من كل قيد ولا تبحث عن ترميز جاهز لتلك الازليات الانسانية أو قولبتها في طقوس المفاهيم المكرسة مهما كانت سطوتها. حين يدخل مارسيل خليفة جنة الشعر وهو كثيراً ما فعل، فبإمكانه كما عودنا ان يعطينا كل ذينك البهاء والرهيف في موسيقاه وفي جسد الرقص التشكيلي لننسى ان هناك جسداً يتأبط جسداً آخر، وإنما هناك روح تتواصل وتنتقي وتهيم بشذا الحب والفن كما يليق للحب ان يكون وللفن ان يعطي، فيأتي الجنون منعتقاً بدوره من اسر (الهذيانات) المألوفة ليتحول الهذيان فيه الى سحر وجنة فينتفي فيه الهذيان عن الهذيان، وانما يشرك الحضور ليتألق مع ما يراه وما يسمعه وما يشعر به وليصبح مجنون ليلى هو مجنون الحب والمطلق عبر فضاءات الوصال الاستثنائي، وليس مجنون الحب عبر قوالب الحرمان المفروضة في حصار الحب كما في الموروث. هو اذاً تألق استثنائي لعرض استثنائي، تألق فيه الشعر كما تألقت الموسيقى وحناجر الغناء ما بين مارسيل واميمة وقراءة حداد، وزاد الرقص التشكيلي جمع ذلك التألق مزيداً من البهاء الذي يعلّم كيف هو الحب، وكيف يدخل المحب طقس المقدس ويخرج من ضيق المدنس وحصاره، ولكل بعدها ان يختار نكهة طقسه القدسي، ان تمكن قبلها ان يجعل من روحه مجالاً مغناطيسياً مفتوحاً لالتقاط اشارات الموسيقى الكونية وفضاءاتها، كما التقاط اشارات الشعر وجنته والتقاط المضامين الكونية المقدسة في الطقوس الانسانية الازلية التي تحتاج إلى وعي بالحب العميق والرهيف ووعي بالفن وبالحياة وبالوجود ذاته، والتي بدورها نحتاج إليها جميعاً لنرتقي نحو كينونتنا الانسانية الأعمق والأجمل والأسمى والأكثر تماساً مع الوجودي فينا.
اخبار الخليج
***
لا أدري لماذا أتذكر فيلم » فهرنهايت ١٥٤« للمخرج الفرنسي فرانسو تريفو، في كل مرة تثار قضية ضد الإبداع الثقافي بجميع أنواعه، سواء أكان الضحية كتابا أو فيلما أو أغنية أو لوحة تشكيلية أو عرضا موسيقيا.
أتذكر هذا الفيلم كلما ارتفعت الأصوات والدعوات في بلاد العرب الواسعة إلى حرق كتاب وإعدام صاحبه، والتفريق بينه وبين زوجته، وإشعال الحرائق الغوغائية في الشارع والجامعات ضد الإبداع، بجميع أشكاله.
أتذكر هذا الفيلم الذي شاهدته منذ سنوات طويلة، وتظهر مشاهده المدهشة أولئك الرجال المدججين بالسلاح في مدينة المستقبل وهم يجوسون خلال المنازل والبيوت بحثاً عن الكتب -جميع الكتب - لحرقها حيث أن الرئيس الجديد للاصطفائيين قرر أن أكبر خطر يواجه الحياة والقيم والمجتمع هو الكتاب، ويبرر ذلك بقوله: »الكتب تجعل الناس يتصارعون ويتحولون إلى أعداء، ولذلك يجب حرقها لأننا ننشد الحب والسلام والوئام والكتب نفايات تصيب الناس بالأمراض وتجعلهم أعداء لمجتمعهم«.
أتذكر جيداً هذا المشهد المأساوي، وأنا أشاهد هؤلاء الذين لم يقرأوا رواية أو كتاباً أو ديوان شعر، ومع ذلك يحرصون على التحريض على الكتاب والكاتب، بل يمكن أن ينتقل الأمر إلى ما هو أخطر، مثل حث الناس على التظاهر والحرق لمجرد أنهم سمعوا بأن هذه الكتاب يتضمن مواقف بذيئة بالمعايير الأخلاقية وليس الفنية، وان هذا العرض المسرحي يتضمن مشاهد منافية للعادات والتقاليد المرعية.
أتذكر فيلم »فهرنهايت« عندما استمع إلى هؤلاء الذين ينصبون المشانق والمحاكم من خلال قراءة معينة للإبداع الأدبي والفني، ويريدون لعب دور الرقيب على الإبداع.
في القرون الوسطى أحرقت الكنيسة آلاف الكتب العلمية لاعتبارات دينية، وفي الأندلس أحرق حاكم »فيشل« كتب ابن رشد لأنه أراد أن يتقرب إلى الجماهير اليائسة الهائجة وإلى رجال الدين في مواجهة الهزائم العسكرية المتلاحقة، وفي فرنسا قبل الثورة كان القضاة يصدرون الأحكام بحرق كتب فولتير ومنتسكيو وجون جاك روسو وطرد الشعراء من المدينة لأنهم كاذبون، تحت عنوان »لا مجال إلا للكتب التي تمجد الفضيلة«.
وفي بداية القرن السادس عشر أمر البابا بحرق كتب مارتن لوثر الإصلاحية، وفي النصف الأول من القرن العشرين أحرق هتلر عشرات الآلاف من الكتب بحضور وزير ثقافته آنذاك، والذي كان يقود الوزارة بمسدس، وتحت نفس الشعارات التي تساق في كل مرة يراد ترويض الثقافة وتكميم المثقفين.
وباختصار، فإن حرق الكتب ومهاجمة الإبداع والمبدعين، وتكفيرهم في كثير من الأحيان قد ارتبط في جميع الأحوال بحماية السلطة الدينية ونفوذها، خاصة في العالم المسيحي أو بحماية الأنظمة الديكتاتورية من الفكر الحر، ولذلك كانت محاكمة الفكر والإبداع وجرجرة المثقفين إلى المحاكم والسجون، وسيلة للتخلص من الفكر، ومن سلطة السؤال والمساءلة، خوفا من الحرية والإبداع، لإرهاب المثقف والناشر والقارئ والبائع أيضاً، وأصحاب دور السينما والمسارح وغيرها.
و هنالك سؤال مهم لابد من طرحه في هكذا سياق، وهو من هو المسؤول عن تقييم العمل الإبداعي وقراءته؟ وبأية أدوات ندخل عالمه ؟
أليست المسؤولية عائدة إلى النقاد والمثقفين أنفسهم من خلال منهج إبداعي، وليس من خلال منهج ديني أو أخلاقي أو سياسي؟ وذلك أننا لو اعتمدنا منهج محاكم التفتيش فماذا سيكون مصير »اللزميات« ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري والإشارات الإلهية والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وأشعار بشار بن برد وأبي نواس، وكتب ابن رشد ومن قبله الجاحظ والخياط وابن الراوندي والقاضي عبد الجبار وغيرهم..؟ بل ما هي النتائج المترتبة عن هكذا منهج في حياتنا الفكرية والأدبية والفنية والسينمائية والمسرحية والموسيقية ؟
لاشك إننا إذا ما قبلنا هذا المنطق وهذا النوع من الرقابة الدينية على الأدب والفكر والفنون، وإذا ما خضعنا للابتزاز والترهيب والتحريض ضد حرية الفكر والصحافة والأدب والفنون، سوف يأتي اليوم الذي يتوقف فيه كل شيء، وإذا ما قبلنا بالمعايير التي حوكمت بها الكتب الأدبية والفلسفية فسوف تحل بنا كارثة حقيقية،لأننا بدأنا بالفعل نستمع إلى نفس تلك الأصوات تنادي بحرق رائعة الكاتب السوداني الطيب صالح: »موسم الهجرة إلى الشمال«، وبإعدام نصف الكتب العربية القديمة والحديثة والمعاصرة.
إنها إذن لمأساة حقيقية أن يتبع ما يكتبه الأدباء والمفكرون كلمة كلمة بترصد مبيت وبمعايير خارجه عن الفكر والأدب ولأسباب لا علاقة لها بالإبداع أصلاً.
الايام- 16 مارس 2007
* * *
خطوة إيجابية تلك التي أقدمت عليها 54 جمعية ثقافية وسياسية واجتماعية بالتنديد بالمحاولات الرامية الى خنق الحريات من قبل مجلس النواب من خلال تشكيل لجنة تتولى التحقيق مع وزارة الرعلام بشأن احد العروض الإبداعية «مجنون ليلى« فهذه الخطوة يجب ان تستمر وتدافع عن الحريات بكل الوسائل المتاحة.
فمن غير المعقول ان يتحكم عدد من الأفراد في ابداعات من افنوا حياتهم يلاحقون العلم والثقافة وينهلون من شتى المنابع العالمية الفكرية ويقدمون عصارة معارفهم للناس. مبدعون على مستوى رفيع من القيم الاخلاقية ويشهد بذلك ماضيهم وحاضرهم.. لم تصنعهم حكومات تعيش على فوائض النفط ولم يخرجوا فجأة من عالم الغباء الى عالم الطهارة المصطنعة. وإذا كانت الحرب تعلن اليوم على أعمال كتابية فانها سبق ان أعلنت على جميع أنواع التراث الثقافي والعمل الخلاق في مجالات عديدة وذلك ما نلاحظه من غياب الفعاليات المسرحية والعروض الموسيقية في المدارس، واندثار الموسيقى والغناء التراثي من ليوة وقربة وفجري وكذلك احتفالات الموالد النبوية ومناسبة القرقاعون واعياد الميلاد. والملاحظ ان إن وزارة الإعلام سبق ان جارت بعض أدعياء الدين فأعلنت الحرب تمسها الان وفي الحقيقة انها لا تمسها وحدها وانما تمس كل المثقفين في البلد الذين سبق ان صمتوا واتخذوا مواقف سلبية حيث الأصوات هي التي كانت تقاوم سابقاً وتبدو ضعيفة أمام هجمة من سخروا وسائل الإعلام لضرب الأصوات الفردية.. إن الدفاع عن حرية الفكر يجب ان يكون جماعياً وقوياً للتصدي أمام الهجوم الكثف من قبل من وجهوا كل اسلحتهم لمحاربة الفكر بدلاً توجيهها الى ما فيها اصلاح حال المجتمع.
اخبار الخليج
* * *
دعا كثير من الناس ربهم أن تكون غضبة النائب محمد خالد في شأن مفتتح ''ربيع الثقافة''، أمراً يذهب في حال سبيله، حتى لا تصبح البحرين ''مملكة لا''، بعد لا''عذابات المسيح''، ولا ''الأخ الأكبر''، ولا ''صالات الفنادق''، وعدة من لاءات أخر.
قلنا وقالوا وقلتم الكثير في شأن عرض ''أخبار المجنون''، قيل إنها ''أخبار المجون''، وأسمي الموسم كله ''سخافة''، اعتبره مثقفون ''سابقة'' والسابقة يجب أن توقف عند حدها، وكأن السوابق أمراً سيئاً في حد ذاته، وقال بعضهم إن النواب يتركون الأهم (معيشة الناس) ويتجهون إلى ما لا علاقة لهم به (الثقافة)، وكأنهم يضعون للنواب أولويات عملهم، ويحددون الأهم من المهم، وغير المهم أيضاً متناسين اللعبة السياسية والشعبية و''الأصواتية''، فمعيشة الناس أمر يحتاج إلى وموازنات وحسابات ومدققين، وتقليل كبير من التسربات والثقوب السوداء، وقد يمرّ المقترح من سم الخياط، وربما ينسدّ هذا المعبر فلا توجد في قائمة الحسابات لدى بعض النواب ما يباهون به الآخرين، أما انتقاد عرض ناجز فهو أسهل في المعركة وأكثر بحبوحة في التعاطي مع ''صرّة'' من النصوص الأخلاقية، وجالبة للكثير التعاطف، لحماية الأخلاق العامة وإبقاء المجتمع البحريني منافحاً عن غشاء المحافظة الذي هو أوهى من بيت العنكبوت لو علمتم، ولن يفتضّه عرض، فقد فات أوان الترقيع وإعادة الزمن إلى الوراء.
لمجلس النواب وظيفة المراقبة والمحاسبة، ويريد البعض أن تتجاوز المراقبة والمحاسبة الثقافة، فهي فوق المحاسبة والحساب والحسبان والحسبة، مثقفون يقولون إن الثقافة ''خط أحمر''.. دينيون يقولون إن الدين ''خط أحمر''، ما الفرق إذن؟ كلٌ يريد الاستفراد بالقرار والرأي الواحد ويقبل نظرياً التعدد، ولكنه لا يقبله لو نزل إلى الأرض وصار ممارسة، حينها يستشرس كل فريق ويشهر أدواته الخاصة.
الدينيون لم يدخلوا مجلس النواب إلا عندما عرفوا أن المجلس لن يشّرع في الدين، ولهم الساحات كلها يصولون فيها ويجولون، والثقافة أو أي تفصيلة منها هي واحدة من ساحاتهم، وخصوصاً إن مسّت الأخلاقفوبيا، أو هكذا تراءت لهم الصورة حينما تلاحمت فيها الأجساد، وعلى المثقف الواقف على ثغر إبداعاته أن يدافع بالآلية ذاتها، لا أن يدير الخد الأيسر.
انتفض سدنة الدين والأخلاق، فانتفض سدنة الثقافة والفن.. قالوا من فوق منابر الجمعة ومن تحت قبة البرلمان، وسكب المناوئون أحباراً في الصحف اليومية.. 29 نائباً، وعشرات المثقفين ومدّعي الثقافة، وحاملي أسلحة الحرب الأيدلوجية في مواجهة ربما ستتراجع عما قريب..
الدفاع عن ''الحرية'' التي لا تجزَّأ في مقابل الدفاع عن ''الأخلاق'' التي لا تجزَّأ، كلٌ لديه من المتاريس النصوصية ما يكفي، ولكن الناقص في هذه القصة كلها أن لا أحد من الطرفين خرج من وراء متاريسه، وقال ''هلمّوا إلى كلمة سواء''، هذا يتهم الآخر بالزندقة والانحلال والتشجيع على الزنا والخنا، والآخر يتهم طرف المعادلة بالجهل والتشدد والظلامية والرجعية ومحاربة عصافير الفن.. الربيع موسم للحب، الحيوانات فيه تحب وتتكاثر، والنباتات فيه تتآلف وتزهر، إلا البشر فإنهم يودون لو يشطب أحدهم الآخر.. ألم يكن قليل من الكلام بيننا كاف؟
الوقت - الخليج- 20 مارس 2--7
***
عندما تحدث مارسيل خليفة في المؤتمر الصحافي الذي عقد بمناسبة عرض (أخبار مجنون ليلى) عن ان تجربته مع النص أتاحت له تحقيق الفكرة الجوهرية لما يسميه بالتحويل الموسيقى للنص بعناصر ابداعية مختلفة ومتنوعة، كان يقصد منها الدخول أيضا في عوامل مختلفة على الصعيد البصري، فالجمهور الذي حضر لعرض (أخبار مجنون ليلى) لم يكن على استعداد - وهو النقيض ذاته عند مارسيل - أن يصغي لعرض مدته ساعة و45 دقيقة، فبدا الجمهور مهوساً بالتصفيق مع نهاية كل مقطع.. مع نهاية كل أداء، وهو بعكس ما رغب مارسيل بتحقيقه، ففي طموحه كان يود تقديم لحمة متماسكة تعج بالصمت في حين والصراع الموسيقي في حين آخر.
لكن هذه الوجبة الدسمة التي قدمها مارسيل لجمهوره كانت تمهيدها -ربما- لمشروعات أخرى تهيئ استقبالا مختلفا لأعماله، وبدا واضحاً أنه يريد ان يري الناس كم ان الحب باستطاعته أن ينتصر على كل شيء، فالفنان الذي كان يقود الجماهير إلى (ريتا) و(أحمد العربي)، قاد جمهور الصالة الثقافية يوم أمس الاول إلى (قل هو الحب)، وبدأ الناس في ترديدها:
(قل هو الحب
الذي أسرى بليلى
وهدى قيساً إلى ماء الهلاك
قل هو الحب
يراك).
والموسيقى بحوارياتها أيضا ساهمت بنزع فتيل العادة التي كان يتربى عليها الجمهور لفترات طويلة، فمن الارتهان لحالات التصفيق والنزوح لرغبة المشاركة - وإن بدت في المشهد الأخير- إلى الانصات، وهو نفسه يعطي مؤشراً إلى قيادة (الجماهير) نحو الاستماع بدرجة كافية بعيدا عن الدرجات القصوى للحماس وحصر مارسيل في فكرة (الالتزام) المجانية والتي عانى منها كثيراً.
فالعزف الانفرادي (الصولو) - مثلاً- ساهم في جلاء حالة الشخصيات التي جسدتها الفرقة الراقصة، فمن (صولو) الكمان إلى الكلارنيت كانت هناك ثمة أحزان في حين ورجاء، وقد عبرت مثل هذه الأدوار عن الأصوات الداخلية التي توزعت في نص قاسم (أخبار مجنون ليلى).
فعازفة الكمان قادت المشاعر إلى عنف الواقع وهو يحيط بقيس.. يحيط بليلى، ولم يكن على مارسيل حينها إلا أن يضعها أمام مقدمة المسرح معتبراً إياها فصلاً في جنون قيس.
وفي عدد من المقطوعات لعبت الموسيقى دوراً رئيساً في إتاحة الفرصة للمخيلة، إلا أن واحدة منها وبدا واضحاً منها أن مارسيل أخذ يفتش عن بعد آخر في هندسة التوافق الموسيقي، فالآلات كانت تحكي أبعاداً نقيضة عن بعضها البعض ولم تلتزم بحالة الموسيقى التقليدية، وهو الامر الذي يتقصد إثارته مارسيل في بحثه عن القيمة الابداعية لتحويل النص الشعري إلى الموسيقى.
لكن مارسيل لم يكن وحده، كان هناك قاسم حداد يروي ويتقمص جالساً على كرسيه.. وكانت أميمة.
ففي أحيان كثيرة وعندما كان مارسيل يثير فينا كل ذلك الحزن وكل ذلك النشيج، ثمة صوت نسوي يخترق كل ذلك، عذب بعذوبة الماء ، صوت يمسح بأنامله كل ذلك النشيج وذاك القهر، قيل إنه صوت قوي، لكن قوته لا تكمن في مساحاته بل في حنوه ودفئه، إذ كيف يكون الحب عنيفاً إلى أبعد الدرجات، وذلك هو صوت أميمة.
وعندما غنت (سأقول عن قيس) ما عليك إلا أن تشرع صدرك لتتحسس حشرجة الصوت وهي تعزف على أوتار القلب بخفة من يضمد جراحاً وهي في الهزيع الأخير من الألم، كيف لا.. والآهات تتوزع بين الكلمات.
* * *
ما ابلغ القول العربي المأثور: »تمخض الجبل فولد فأرا«. لعله يكاد يوصف حال مجلس نوابنا الذي كثرت الانتقادات الموجهة إليه للعجز البين الذي أظهره حتى الآن في مقاربة أي ملف من الملفات الحيوية، وكثرت التساؤلات عن فشله في تشكيل لجنة تحقيق واحدة في أمور التجاوزات الخطيرة الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية، أو في ملف الأراضي، أو في الفساد بشكل عام، فإذا بهذا المجلس يفلح في تشكيل أولى لجان التحقيق في عهده، وبإجماع كتله النيابية ومن دون استثناء، بما في ذلك كتلة الوفاق التي أكدت غير مرة أنها ستعطي الأولوية للملفات المتصلة بالأوضاع المعيشية للمواطنين، وكذلك كتلة المستقبل الذين قدم أعضاؤها أنفسهم بصفتهم مجموعة من التكنوقراط المتفتحين، ولم يكن هدف هذه اللجنة العتيدة سوى مهرجان ربيع الثقافة، الذي كان أحد النواب قد وصفه بربيع السخافة، تاركين للقارئ الحصيف تقدير ما ينم عنه هذا اللفظ من مستوى وعي وسلوك بعض النواب. لن نطيل الشرح، سنكتفي بالقول للسادة النواب : شكرا لكم. لقد أظهرتم وبالملموس، ومجلسكم الموقر بالكاد في شهوره الأولى، صحة كل ما حذرنا منه من أن مجلسا بهذه التركيبة لا يمكن له إلا أن ينشغل بالتوافه، وبالمعارك الجانبية التي تنم عن ضيق أفق الكثير من أعضائه، الذين لم يجدوا في مجلس النواب سوى ساحة لاستعراض العضلات المفتولة لا ضد الفساد والمفسدين، وللدفاع عن الحقوق المعيشية للمواطنين المكتوين بنيران الغلاء والبطالة ومشاكل السكن، وإنما ضد الحيز المضيء الصغير المتاح للثقافة في هذا البلد، الذي نكب، كما نكبت سواه من المجتمعات العربية الإسلامية، بالحراس الزائفين على الفضيلة، الذين يريدون مصادرة التراث المتأصل في البحرين، العربية المسلمة، من الانفتاح والتنوير والتفاعل مع الأفكار والثقافات الأخرى بروح التسامح والحوار الخلاق، ويسعون لفرض ثقافة ظلامية، طالبانية الهوى، تحت »هيلمان« من التهويش الإعلامي والتضليل، والضغوط التي تبلغ حد الإرهاب الفكري الذي يريد تصنيف النشاط الثقافي والفني في دائرة المحظور فذائقة هؤلاء المحدودة تعجز عن استيعابه، لأن حدود تفكيرهم لا تنصرف عن منطقة الغرائز، بدل محاكاة العقول والأفكار والأذواق. طالعت في بعض الجرائد الصادرة في المملكة العربية السعودية الشقيقة إشادات بأنشطة ربيع الثقافة في البحرين، وبالمناخ النقي الحر الذي أشاعته في بلادنا والتي تصل نسماته الطيبة إلى الجوار، لكن في البحرين ذاتها، ينبري مجلس النواب بقضه وقضيضه للتحريض على هذه الأنشطة ومحاسبة القائمين عليها، وإعادة القهقرى للبحرين المنفتحة التي عبد رواد النهضة والتنوير فيها منذ مطالع القرن العشرين، في المحرق والمنامة والمناطق الأخرى، طريق التفكير الحر الديمقراطي والمتسامح. لم يعد الصمت ممكنا تجاه هذه الحملة الجائرة على الثقافة وحرية التفكير في هذا البلد، لأن الكلام نفسه لن يعود ممكنا، بعد حين، إذا ما جرت ممالئة هذه الحملة أو السكوت عنها أو طأطأة الرأس أمام عاصفتها، أو مسك العصا من النصف تحت أي ذريعة. على المجتمع المدني والقوى الحديثة في هذا البلد، وهي قوى مهمة وواسعة ومنظمة وذات تأثير أن تنهض مدافعة عن حيز النور المتاح المراد مصادرته، لكي لا نخسر البحرين التي بنتها أجيال من الرواد الشجعان.
الايام- 18 مارس
*****
فجأة انتفض النواب واتفقوا على تشكيل لجنة تحقيق تفتش عما في ربيع الثقافة من (موبقات)، بل هم أصدروا الحكم قبل التفتيش. ألم يقل أحدهم قبل انطلاق الربيع أن هذا ''ربيع السخافة''؟
لم يجد نوابنا الأفاضل إغراءً أكثر من محاكمة ربيع الثقافة، يتفقوا عليه ويرمون بتصريحاتهم النارية في الشارع، ثم ينفخون فيها من على المنابر ويطالبون الناس برجم الربيع بالحجارة.
أكثر من مئة يوم مضت على المجلس العتيد والنواب يغرقون الحكومة بالأسئلة، والأخيرة فطنت اللعبة منذ البداية وتعاطت معها ليخرج المشهد النهائي بطريقة (هوليودية) بامتياز، بينما الأعضاء يفتشون عن أسئلة في أمكنة أخرى ، فأغلبهم غير عابئ بجواب سؤاله بقدر ما يبحث عن سؤال السبق قبل أن يقفز له زميل من الفئة الاخرى ويفوت عليه فرصة الحديث عن السؤال الذي اخرج ''الزير من البير''. لم يتفق النواب على لجنة تحقيق ضد الفقر والمرض والأمية والتجنيس، لكنهم اتفقوا على ربيع الثقافة، أليست مادة دسمة تلهب المشاعر وتحرك أعضاء الجسد؟ إذن فليجمعوا على اللجنة، ويتنافخون شرفاً دفاعاً عن أعراضنا عندما يمسكوا بأعناق الربيع من عنوانه الأبرز: قاسم حداد ومارسيل خليفة. اجزم أن جل القاعدين على كراسي المجلس لم يقرأوا حرفاً لقاسم ولم يسمعوا مارسيل يغني للبحارة وضد اغتصاب الأرض ويشحذ همم مقاومة الاحتلال. وأظن - مع أن بعض الظن إثم - أنهم لا يعرفون قاسم حداد أصلاً، ولا يعرفون تاريخ هذا الرجل الذي ترك بصماته الأدبية والسياسية الواضحة في حقب من تاريخ البحرين. لم يقرأوا شعره الذي حلق في فضاءات الدول إلا عقولهم. اجزم لو أنهم قرأوا له:
'' أفق يا هاجر، الكاسات يا ثملُ
أفق وأشرب فهذي الكأس وعيٌ
تدرك الدنيا وتنفصلُ
اتسأل عن رفاق الكأس بعد الكأس أينهمُ
لقد رحلوا على جسر المدى
لا العشق مضمون ولا الغزلُ''
لو قرأوا هذا المقطع الخارج من سجن السبعينات لنصبوا لقاسم أعواد المشانق على باب زنزانته. انهم لا يفقهون، فكيف لهم أن يفهموا شعره: ''خروج رأس الحسين من المدن الخائنة''، ''الدم الثاني''، ''القيامة''، ''قلب الحب''، الجواشن''، ''قبر قاسم''، و''مجنون ليلى''.. وغير ذلك من إبداعات لم يتعرفوا عليها، وان قرأوها فلن يفهموها وسيفسروها حسب ما ترتئيه محاكم التفتيش، لا ما أمروا به ''وجادلهم بالتي هي أحسن''، فالحوار ابعد من السماء السابعة بالنسبة لهم. أليسو الفرقة الناجية، ومن تبقى، وهم أكثر الناس.. فإلى الجحيم؟!.
عودوا لرشدكم أيها النواب، واتقوا الله في أنفسكم، وتذكروا أن الذي تنقلبون عليه الآن من رأي ورأي آخر، هو الذي أوصلكم للكرسي الذي انتم قاعدون عليه.
الوقت- الخليج- 20 مارس 2-7
****
ها هي راياتهم! كيف نثق؟ كيف نأمن على نوافذنا ومزهرياتنا؟
هل يمكننا أن نفتح باباً صغيراً للضوء؟ هم هنا! هم هناك! يتربصون بشهيقنا، ويحصون ابتسامتنا!
نحن نعرف مثل غيرنا أن ليس من يصل إلى هناك، يكون مؤهلا لملامسة الحرية! وفي هذا التوجس المشبع بغبار تاريخ من الاستبداد والمصادرة، فإن من يصل إلى هناك ليحتضن كرسي الغنيمة عليه أولاً أن يحافظ على هذا الكرسي الواسع، وأول درس يقوم به، أن يكون حارساً على الظلام وفتاكاً بالحرية!
يا لأهوالنا القادمة! يا لهذه القبة المقلوبة، القبة المطفأة، بلا مبالاة تركناها تحصي غنائمها، ولكنها لم تتركنا للطمأنينة ! لقد أحرقت وعودها لنا في المباخر، ومزقتنا طوائف وأنساباً، ها نحن نسمع مزامير عراكها المستعر في البحث عن انتصارات تحاول خداعنا بها، نحن لسنا هناك، أحلامنا ليست في هذا المطبخ الذي لا يطهو سوى الغنائم والحروب الطائفية! كيف يكون ديمقراطياً، من يطارد الفن، وينصب فخاً لشفافية الروح؟ كيف يكون ديمقراطياً من يحاول مصادرة الحرية، من يحمل أصفاداً ومفاتيح ويركض خلف شعبه؟ بعد أن سقط قانون أمن الدولة، وبعد أن تركت الزنازن فارغة، وبعد أن تراجع الخوف قليلاً إلى الجدار! ها أنتم تعيدون الشيطان إلى غلمته، وتصبحون سدنة لسجن أبشع، تذهبون كتلة واحدة إلى محاصرتنا، إلى نفخ أبخرة الخوف في صدورنا، إلى جُبِّنا في حفر الماضي وفتاوى صفراء ! لقد تجمعتم ضدنا! ولكن، هذا ليس انتصاراً لكم ! إنكم تشيدون الزنازن، وتفتحون مغارات الظلمة، وتهرولون صوب الحائط ! تركتم مطالب من حملوكم إلى هناك! تناسيتم يافطاتكم التي تناسلت في الأزقة!أهملتم حناجر المستضعفين الذين ملأتم جيوبهم بالأمل! تغاضيتم عن حجارة الفساد! وتذكرتم بالفطرة أن الفن خطير جداً على القمع ! إذا لستم حراساً، ولستم شرطة، ولستم سجانين! فلماذا إذن حملتم العصي ونفختم في البوق ؟ نعرف أنكم تدفعون بنا إلى منحدر مظلم، وعلينا أن نصعد باتجاه النور! ندرك أنكم تجبرونا على الخنوع والسير خلف ظلالكم ! ولكننا لن نقبل أن نساق إلى الكهف ! لن نقبل أن تصطادونا مرة بعد مرة! وليلاً ونهاراً، سنطهر حناجرنا برنين الحرية، وسنسميكم بأسماء أفعالكم! فلا تتمادوا في العراك !
الايام- 17 مارس
****
كان المثقف المبدع العصري قد قنع منذ زمن من الغنمية بالإياب وارتضى ألا يكون مبشرا أونذيرا سوى لنفسه، وطلق أحلام تغيير العالم مكتفيا بتغيير نفسه أوالمحافظة عليها على الأقل إن أمكن، ومقنعا نفسه ورفاقه بأنه تاب عن أحلام اليقظة وانشغل بيقظة الأحلام وتاب عن عشق الأبطال وانشغل بأبطال العشق.
لم يعد له شغل كثير بمحاربة البرجوازية والرجعية وكل شيء فيه (ية) كما يقول أحد أصحابنا الساخرين، وصار يمشي جنب حائط الحب بدلا من حائط الإيديولوجيا منتقلا من التبشير بالثورة إلى التبشير باللذة ومن حكايات النضال الكبرى إلى حكايات الذكريات الصغرى.اليوم جاء من يقرع رأسه ويقول له أيها المبدع، حسنا، لست آمنا حتى في عالمك. أنك بحاجة لتنشيط ذاكرة البطولة فيك، واختبار قدرتك التي ضمرت على الاستشهاد في سبيل شيء ما، فقد اختلف القوم على كل الفصول واتحدوا على الربيع.
الخبر: (وافق مجلس النواب على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مع وزارة الإعلام بشأن العروض التي قدمت خلال مهرجان ‘’ ربيع الثقافة’’ الذي تنظمه الوزارة حاليا على أن يتم ترشيح أعضاء اللجنة في الجلسة القادمة)
من أفضل ما قرأته في سياق الرد على هذا الهلع الأخلاقي والديني والسياسي من عروض ربيع الثقافة وخصوصا عرض أخبار المجنون (قاسم حداد - مارسيل خليفة) ما كتبه الشاعر الصديق حسين السماهيجي في إحدى الصحف الزميلة بتاريخ 16/03/2007 منتقدا الرقابة الرسمية على الكتابات الابداعية عموما ومعتبرا إياها لا تقل خطورة عن فتاوى الإسلاميين ضد الإبداع، ثم مطالبا بكل موضوعية وحذر بأن يحترم كل اختصاصه، وألا يخاطر أصحاب المكانة الدينية والشعبية بهذه المكانة بالخوض في أمور ليست من اختصاصهم فيفقدوا هذه المكانة.
والحق إن من يتعرض للرد على دعاة التحقيق فيما سموه ‘’تجاوزا أخلاقيا’’ ودعاة محاكمة نص قاسم وعرض مارسيل سيجد نفسه بين نار الدفاع عن حق المبدع في الحرية الذي بدونه لا يمكن للمبدع أن يكون موجودا، ونار الخوف من أن تستثمر مرافعة المبدع في الهجوم على التيارات الإسلامية السياسية وهوهجوم لا شك يسعد الكثيرين من أنصار (المودرن إسلاموفوبيا) وامتداداتها عربيا وعالميا وهي عقيدة ليبرالية المحتوى لكنها إقصائية اللغة.
لذلك ولئلا يختلط حابل الثقافة بنابل السياسة، نقول لحراس الأخلاق، دعوالابداع وشأنه، ولا تضطروا الشاعر للخروج من عزلته ليرد على رجمكم فليس لدى الشاعر ما يكفي من الأحجار، ولا من الخبرة وهوالذي منذ زمن استراح وأراح، وحلق بعيدا في خيالاته تاركا لكم الأرض والسماء والماء والهواء. دعوه فهو لا يملك سوى الفانتازيا، وأنتم الواقعيون الذين تقيسون العالم بمسطرة الأرباح والخسائر والنفعية غير مؤهلين للأسف الشديد - أوربما لحسن الحظ - لأن تفهموا قصيدة حب مجردة، ناهيكم عن أن تكون راقصة ومغناة. كنتُ قد ذكرتُ في أكثر من مناسبة أننا منذ زمن لم نعد نجد في الأوساط العلمائية عناية بالشعر أيا كان هذا الشعر، لا تأليفا ولا تذوقا، حتى الشعر الديني والصوفي فضلا عن شعر الحيــاة والحــب، وقـلتُ مستغـربا: كيف تكون في هذا البلد الذي أنجب يوما الخطي وعشرات العلماء الشعراء فلا تجد عالما واحدا يتذوق الشعر حتى لو أنك عبرت البلاد من أقصاها إلى أقصاها في ظهيرة جمعة، طامحا في أن تعثر على خطبة صلاة يستشهد إمامها ببيت من حكمة الشعر لما وجدت إلا خيبة الأمل. وكيف تكون في بلد امتزجت الموسيقى والغناء بحياة شعبه في الكدح في نهمة الغوص أوفي شجن الفلاح وهويدور مع الساقية ثم لا تجد من الناس غير ازدراء الموسيقى واعتبارها من سقط المتاع ورجسا من عمل الشيطان ، اللهم إلا إذا كانت - وحديثا فقط - مصاحبة لنشيد ديني، بل وحتى أن استفتاء أولياء الأمور في قبول تدريس الموسيقى لأبناءهم في مدرسة ابتدائية جاء بـ (لا) ساحقة؟!
الآن سأضيف: لأمر ما شعر هؤلاء بخطورة نص شعري موسيقي على أخلاق المجتمع كما يقولون، شعور مصدره الجهل بالشعر قبل أي شيء آخر، فالناس أعداء ما جهلوا. لقد بعُدت الشقة - كما يقول العرب - بين هؤلاء والشعر حتى أنهم يخافون الشعر، وحتى أنهم لا يذكرون مثلا أن الحسين (ع ) هو من أخذ على عاتقه أن يتجشم عناء جمع (قيس ولبنى) - غير قيس وليلى- متوسطا لدى أبا لبنى ليرضخ لسلطان العشق ويتنازل عن إكراهات القبيلة.
ثمة مشكلة - أكاد أقول كارثة- حضارية هنا، وسيضاعفها موقف نواب الشعب، الذين من حيث المبدأ لا ننكر عليهم التحقيق إداريا وماليا في فعاليات الربيع، خصوصا ونحن نقرأ رسالة مديرة هذا الربيع نفسه وكيل الثقافة الشيخة مي آل خليفة، وهي تنقد علنا مهزلة عرض فرقة ‘’كركلا’’ التي حاولت الضحك على ذقون البحرينيين ربما اتكاء على نظرية ‘’كل خليجي مغفل’’ بإقحام إسم البحرين قسرا في قصيدة جزائرية.
لكن التصدي لهذه الإخفاقات الإدارية شيء والمرافعة الأخلاقية ضد قاسم ومارسيل على منابر الجمعة ومنابر المجلس النيابي شيء آخر تماما.
وسيجد المبدع نفسه مضطرا وهو يمسح غبار نافذته التي أغلقها طويلا منشغلا بنسج عزلته، لأن يطل عليكم وهو يفرك بقايا النوم من عينيه قائلا :كفى يا حراس الفضيلة والقبيلة، بالأمس حرمتم قيسا من ليلى أوشئتم أن يبدو الأمر كذلك، حتى وصفتم العاشق بالمجنون. أزعجكم أن يقول شاعر اليوم غير ما ألفتم. أن يقول لكم بالموسيقى والشعر، لم تحرموا قيسا من لذة المحبوب، ولا منعتم هبوب ريح الهوى على خباء ليلى. نفد من سميتموه مجنونا من خلف الخباء حين كان حرسكم ينام وطاب للحبيبين المقام، قبل أن يدركهما الصباح ولما يشبعا من الحب المباح. كفى، ودعو قيسا ولا تقتلوه مرة أخرى، فقيس اليوم ليس وحده، معه قبيلة من العشاق الذين اختلفت أعراقهم واتحدت أذواقهم واشتعلت أوراقهم بالحب والشعر، حتى أنهم مع كل ما تفعلون بهم لا يملكون سوى أن يقولو لكم دعو الحب يضيئكم، فهو الفضيلة الكبرى في هذا الوجود
الوقت
****
لو اكتفي الواحد بالحب وحده لعاش الناس كلهم سواء . كانت ليلة الخميس الفائت الأول من مارس2007 قد ولدت بشكل مختلف وجديد . لايأتلف أبدا مع الحرب وسحل الإنسان وتفخيخ الجسد هكذا بعبث ومجانية وذر رماده في الفرات ويختلف عن ما عهدناه وألفناه من عمود الشعر وبحوره ذات الإيقاع المنتظم ، الذي يأبي أن يغادر موقعه .
حسنا فعل قاسم وحسنا فعل مارسيل . الجمهور تكدس على الأبواب ولو كان بيده لخلع الجدران ، والطبقات والحواجز ولأبقي على نفسه في عراء المكان .
فعلتها إذن الشيخة مي ، ونسجت ليلة الربيع علي غير ما توقع الكثيرون ، ولو بقاسم وحده بحرينيا لكفي عن الوطن بأجمعه ، ولقطع الطريق علي من طالب باستدعاء الفنان البحريني وعدم تهميشه . كفانا بقاسم شاعرا وطنا وكفي بالوطن نفسه كل هذه الأنفاس التي اجتمعت .
كان لابد من أن تتوقف آلة العنف والقتل ورمي الجثث علي قارعة الطريق كما تخبر به يوميات أرض الرافدين وأن نستبدلها هنا في أرض ديلمون بشيء من الحب الذي بقي في الضلوع .
أتت البشارة من قاسم في ليلة ربيع الثقافة وحيا وأملا حينا في أرض تضج بالجبانات وبالدم اليومي :
قل هو الحب
هواء سيد ، و زجاج يفضح الروح وترتيل يمام
قل هو الحب
ولا تصغي لغير القلب،
لا تأخذك الغفلة،
لا ينتابك الخوف علي ماء الكلام
قل لهم في برهةٍ
بين كتاب الله والشهوة
تنساب وصاياك
وينهال سديم الخلق في نار الخيام
قل لهم،
فيما ينامون علي أحلامهم،
ستري في نرجس الصحراء
في ترنيمة العود وغيم الشعر سرداً وانهدام
ميزة عرض مجنون ليلي وقاسم أنه استطاع بقيادة موسيقية محترفة من مارسيل خليفة وأميمة الخليل أن يجمع بين فنون الجسد ، والوتر وجسد مسرحية المجنون بلغة جديدة أبقت علي الحب الذي لا يشيخ أبدا ولا يموت وفي نفس الوقت أعطت النص الجديد مساحته ومكانه .
لا يشك المتتبع أن خلطة جريئة كهذه ، ليس بمقدور أحد أن يفعلها إلا مارسيل وحده، بحكم خبرته الموسيقية في عجن النصوص وفي التجريب عليها وفي تقطيعها موسيقيا بحسب طاقة النص ذاته، فأنت لا تشعر بتكلف موسيقي غير معتاد ولا بطبقة صوت تشذ النص، ولا بنص لا يخدم الصوت . كان باديا القدرة علي توظيف النص موسيقيا وبالعكس أيضا توظيف الموسيقي شعرا .
هذا التوازي بين النص والوتر تشير إلي قدرة إبداعية لدي مارسيل وفرقته ، كما تشهد بإبداعية نص قاسم ذاته الذي تحار من أين تبتديء منه وأين تنتهي . فأبوابه كثيرة ومشرعة لا تنتهي وهي بعدد أبواب الحياة وانفاس الخلائق ولذلك يقول قاسم في نصه المجنون : '' أن الحب أبواب عبرها قي'' كلها ونحن في العتبة ز
تعمد الكتابة في أخبار المجنون كما يرويها قاسم في لحظة تشكلها الي المضي باللغة الي أقصي امكاناتها. وهو ما يشهد له الناقد الاستاذ محمد لطفي اليوسفي في دراسة نقدية له بمجلة نزوي العمانية ، ولأجل ذلك يقول الناقد يلتبس المعني، ويتلاشي أو يكاد.
الناس يعبرون علي أشيائه المنثورة : ريشة قطا مستدقة الرأس / خيط حرير أخضر عقدته أمه في زند طفولته / خاتم عرس منحول من فرط الخلع / حجاب في جلده ضبع / عود سواك يابس / كسرة ياقوت معروق بالفحم / خرج ثقبته الريح / أشلاء لجام تنضح منه ريح الخيل / وحشة والمحصلة النقدية من هذا النص الإبداعي الغريب في بنيته كما يقول اليوسفي أن تقودك الكتابة إلي الومضة وتمعن في تسمية حشد من المدركات والموجودات.
فيوهم الكلام بأنه ينثال اتفاقا لأن فعل التسمية يصل بين مدركات لا رابط بينها في الواقع العيني المتعارف .
إلا أن ميزة أمسية المجنون في أول ليالي الربيع أن قلبت الكتابة إلي شفاهة ، وتحول الحرف إلي أداة سمعية يرافقها حشد من الأوتار والأصوات والموسيقي الموازية ولهذا جاء مختلفا ومنفردا وإبداعيا.
03/03/2007
* * *
البحرين بلا ثقافة هي حتماً ليست البحرين التي نعرفها حق المعرفة ويعرفها العالم كله مشعلا ومنارا للثقافة والعلم والحضارة العربية في الخليج العربي امتدت بتأثيراتها على المنطقة كلها وساهمت في رقيها وتقدمها.
نحن لا نتصور انفسنا يوما بلا ثقافة ولا قراءة، فهي كالدماء تجري في شرايين هذا الشعب الذي جبل على حب المعرفة وطلب العلم والتزود بالمعارف.
هذا اذا كان يوما، فما بالنا اذا كان ربيعا كاملا من الثقافة، جاء ليسد نهما وجوعا لدى الكثيرين الذين يتوقون لرؤية الأشياء الجميلة وينتشلهم من واقع قائم يريد الظلاميون ان يقحموهم عنوة فيه.
فمن منا لا يعرف شاعرنا المتميز قاسم حداد ولا الفنان العربي الكبير مارسيل خليفة اللذين قدما في افتتاح ربيع الثقافة تجربة متميزة ولوحة فنية راقية مزجت بين الشعر والموسيقى.. مارسيل وقاسم مقالان راقيان للفن والشعر الملتزم.. هكذا نعرفهما وهكذا يعرفهما العالم، الا البعض الذين لا يعرفون ولا يدركون، لأنهم لا يستوعبون الفن أصلا!! فهي مادة صعبة الفهم عليهم، سيرسبون فيها حتما وسيظهرون على حقيقتهم ومدى ضحالتهم!!
لماذا هذا الهجوم المقيت والمحموم على ربيع الثقافة ومحاولة تصوير الأمور وكأنها »جنس« و»جسد«.. فقط؟! أهذا فقط حدود مخيلتكم؟! ان الأمر لم يتعد لوحات تعبيرية راقية تجسد الحب الحقيقي في حياتنا، هذا الشيء الجميل الذي تريدون ان تسلبوه من قلوبنا أيضا!!
لذلك فإننا نقول للظلاميين وأصحاب العقول الفارغة:
الا.. الثقافة، ارفعوا ايديكم عن الثقافة ولا تقتربوا منها، فهي خط أحمر بالنسبة لنا، سندافع عنها بكل ما اوتينا من امكانات وقوة حتى لا نمكنكم من قتل هذا الشيء الجميل فينا، كما قتلتم أشياء أخرى جميلة في هذا البلد.
كفوا أيديكم والسنتكم عن الثقافة، فأنتم أبعد من فهم تلك اللوحات الفنية الجميلة وتلك النصوص الراقية، فهي ما لم تستوعبه عقولكم ولن تراه عيونكم التي لم تتعود على رؤية الجمال.
ماذا تريدون؟!
أصبحتم تقحمون أنفسكم فيما تفقهون ولا تفقهون في كل صغيرة وكل كبيرة، تريدون ادارة البلد حسب هواكم وتفصيل كل الأمور حسب مقاساتكم والتي هي قصيرة دائما!!
وقمة السخف والضحالة والجهالة ان يصف البعض الثقافة بـ »السخافة«، فهؤلاء حتما لا علاقة لهم بالحياة!!
لا تفرضوا أنفسكم أوصياء على الناس وعلى أذواقهم، فكلنا مسلمون ونعرف الحلال والحرام، ونقول ان ما تفعلونه انتم بهذا البلد هو عين الحرام!! دعونا وشأننا نستمتع بربيع الثقافة.. بنسمات الفن.. بالكلمات.. بالموسيقى.. بالحب، فهي التي تنقي العقول وبها تصفى القلوب!
* * *
ما الثقافة؟ سؤال يتحوّل بنا كلما مر علينا زمن جديد، وكلٌ يدّعي وصلاً بها، ولا أحد يدري أيّنا تقره ‘’الثقافة’’ بالوصل المطلق والانفصال المطلق عمّن سواه، وربما هذه هي قصتها الأساسية، وهي أنها للجميع، وبالتالي لا يمتلكها أحد، ولا يقدر على اختزانها والادعاء بسدانتها أحد.
‘’المشهد الثقافي’’ الذي تمخض عن أولى ليالي ‘’ربيع الثقافة’’ أثار الأطراف التي تتقاطع عند هذه الكلمة، بين من يقول أن ما عُرض من رقص إيحائي تعبيري قد تجاوز الإيحاء إلى ما يدنو من ‘’الشهوانية’’، وبين من يذبّ عن ‘’الثقافة’’ بوصف ما رآه سموّاً بالفن، وإن من يقول غير هذا لا يعي ‘’الثقافة’’ ولا يفهمها.
النائب محمد خالد يصف المشهد كله بـ ‘’ربيع السخافة’’، مشيراً إلى ما نقل إليه أنه ‘’إيحاءات جنسية’’، ومناهضوه يقولون إن هذا النوع من التفكير لا يمكنه مغادرة الانشغال بالعلاقات الجسدية الضيقة، وعدم قدرته على تذوق الرقي فيما قدمته الفرقة الفنية.
هذه ‘’الثقافة’’ ذاتها هي التي باتت تقطع من المسرحيات والأفلام كلمات تتبدى للرقيب أنها خارج الذوق العام وخادشة للحياء، وهي ‘’الثقافة’’ ذاتها التي تصر على رفع الملابس من أسفل وسحبها من الأعلى عن الأجساد حتى يكتمل الإبداع.. ‘’الثقافة’’ نفسها التي تمسك بالأقلام الثخينة لتعمل في مجلات التصوير الفوتوغرافي حتى تنصرف النفس عن شراء هذه المجلات بعدما ‘’اعتدي عليها’’، ولأن هذه ‘’الثقافة’’ تزعم أنها تحمي المجتمع من الانحراف، و’’الثقافة’’ في عرف آخرين هو كنس كل ما يتوقف عنده المجتمع - أو يتظاهر علنا - لفتح الأفق أمام الإبداع والتفكير، وأن من حق ‘’المثقف’’ أن يتناول كل شيء بما فيها الذات الإلهية، وإن لم يتحرر من هذه القيود، فكيف يكون مثقفاً؟ والمثقف هو أيضاً من يحمي الحدود ويمنع من الانصهار الثقافي وغياب الهوية والتماهي مع كل الأشكال التي تود تغريب المجتمع ونزعه من عروقه.
إن هذا التناحر - الذي يمهّد اليوم لأن يمتد إلى ما هو أكثر من خطبة وأعمق من تصريح وأبعد من مقال - سيعيدنا إلى تعريف الثقافة، أين تبدأ وأين تقف وهذا محال، وهل يمكن لرقيب الأفلام والمسرحيات أن يسعد لوحده بمشاهدة ما لا يشاهده الآخرون وينتقي بحسب ‘’ثقافته’’ ما يجب أن يصل للآخرين.. رقيب اليوم ورقيب الأمس، وما الذي تغير بينهما، إذ تنثلم اليوم من حياء الجموع قطعة إن مرت المسرحية ذاتها التي رآها قبلاً بمقصّات أكثر رهافة، ولكنها إن مرت اليوم تمر من تحت أنف ‘’مثقف’’ أيضاً يراها كما لا يراها ‘’مثقف’’ آخر، ومن بعد إذن ساطور حاد.
الجمهور الذي شاهد اللوحات الإيحائية التي قدمت في ‘’أخبار المجنون’’ صفق طويلاً للعرض الإبداعي المتكامل حين انتهائه، بل واحمرّت الأيدي من التصفيق، وخرج يتناقش في المسألة نفسها، لم يتقاتل الناس، بل عبّروا بـ ‘’ثقافة’’ راقية عمّا رأوه وعن رأيهم فيه، واختلفوا اختلافاً ‘’ثقافياً’’ بين من رآه فناً راقياً، أو جرأة عالية، أو اقترابا مما لا يُقبل.
ليس الأمر بحاجة إلى معارك ‘’ثقافية’’ فكلّ يحمل من هذا الفيض جزءاً، وكلٌ يقف منه بزاوية، ولكن المشكلة الحقيقية أن كثيراً منا لا يرى إلا ما يراه، أو ما يريد أن يريه للناس.
* * *
بالرغم من أن مؤشرات خفيفة لمحّت الى إمكانية »إعادة النظر في تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية« فيما صدرت تصريحات أخرى معاكسة أبدت اصرارها وتمسكها بتشكيل اللجنة التي من المفترض أن يبت البرلمان في أمرها في جلسته اليوم. بالرغم من كل ذلك فإن القضية ليست في تشكيل أو تعطيل اللجنة. القضية أو المسألة هي ما وصلنا إليه من اصطدام الدولة المدنية »بوصفها الدولة التاريخية في البحرين« بالدولة الدينية بوصفها مشروع جماعات وتيارات الاسلام السياسي التي تعمل حثيثاً وبقوة دفع الهيمنة لإحلال مشروع الدولة الدينية بديلاً للدولة المدنية في بلادنا، بالرغم من أن هذه الجماعات والتيارات استغلت كل ما في الدولة المدنية البحرينية من مساحات ومن قوانين وأنظمة ومؤسسات لفرض سيطرتها الى درجة ركوب موجة الديمقراطية والتحشيد الشعبوي للسيطرة على البرلمان بوصفه المؤسسة المدنية التي يمكن الهيمنة عليها وتمرير أجندة الدولة الدينية حتى يتحقق مشروعها كاملاً. لا نكتب هذا الكلام من فراغ أو لمجرد التنظير بقدر ما نستقرئ الواقع ونرصد المشهد بدقة فخلال الفصل التشريعي الأول أفصحت جماعات الاسلام السياسي أو الاسلام الحزبي عن اكثر من مشروع يصب في المشروع الكبير للدولة الدينية.. فبدءاً من مشروع الفصل بين الجنسين في الجامعة، مروراً بمشروع تشكيل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشروع عدم الاختلاط في المجمعّات، والموقف من دور السينما والمقاهي، وصولاً الى تفعيل قانون الحشمة، وانتهاء بتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية الأخيرة لإثبات »تهمة« الثقافة وفرض الكهنوتية باعتبارها احدى أهم مؤسسات الدولة الدينية. جميعها في الواقع قرائن وحيثيات ودلائل على أن مشروع الدولة الدينية مشروع حقيقي لدى هذه الجماعات قد يختلفون في تفاصيله ودقائقه ولكنهم الآن متفقون تماماً على عناوينه الكبرى ومقوماته وقواعده وركائزه. ولذا نؤكد أن ما يجري هنا أو هناك وما جرى من قبل وسيجري لاحقاً لا يخضع لمزاجية أفراد سواء كانوا نواباً أو غير نواب. ولا هو نزعات شخصية متشددة ولكنه يأتي في سياق مشروع الدولة الدينية كما تفهمها وكما تريدها هذه الجماعات والحركات السياسية الاسلاموية.. دولة الرأي الواحد والمنهج الواحد والأسلوب الواحد.. باختصار هي دولة مشروعها الأوحد دون باقي المشاريع الاخرى ولا مانع لديها بأن تعصف وتقصف بكل المفاهيم والأسس والمقومات والركائز والمساحات الديمقراطية والتعددية. ولذلك فإن السؤال الكبير المطروح اليوم في الاوساط الاقتصادية والسياسية والثقافية هو كيف نحمي الدولة المدنية في البحرين بوصفها الدولة التاريخية التي تأسست وقامت عليها بلادنا منذ بدايات تكوينها ونظامها الاداري والمؤسسات والقانوني الحديث الى اليوم؟ كيف نحميها وكيف نحافظ عليها من أن تختطفها الدولة الدينية ومشروعها الذي أثبتت كل تجاربه أنه مشروع قمع ومنع وتخلف يناهض الديمقراطية ويقضي على التعددية والحرية الفكرية والثقافية والانسانية؟ لا نريد ولن نسمح لحركات الاسلام السياسي أن تزايد علينا وعلى بلادنا في الاسلام.. ولكننا نتحدث تحديداً عن دولة دينية تأتي تعبيراً عن أجندة وعن مشروع جماعات اسلاموية سياسية بغض النظر عن مذهبها وطائفتها فهي في النهاية دولة فرض السيطرة والهيمنة. وسواء تشكلت اليوم لجنة التحقيق البرلمانية أو تعطلت فالمسألة اكبر من ذلك.. الهدف المقصود والمرصود هو الدولة المدنية في بلادنا.. وهي الدولة التي لا تمثل حزباً أو طيفاً أو طبقة بقدر ما تمثل خيارنا التاريخي منذ بداية البدايات.. فهل نفهم.. ومتى؟!
الايام- الخليج- 20 مارس 2007
* * *
من المستغرب تماماً أن يطرح بعض النواب تشكيل لجنة عاجلة للرقابة على مهرجان ربيع الثقافة، من دون أن يعرف أحد ما الذي يستفزهم تحديدا في هذا المهرجان. هل هو الشعر الذي حوله مارسيل خليفة الى عرض فني لافت؟ هل هي الندوات التي تطلق الحوار وسجال العقل والفكر في قضايا هامة؟ هل هي المعارض التشكيلية التي تحرض العين على رؤية العالم من خلال اللون وخطوطه وتشكيلاته؟
هل هو الفن المسرحي حين يتداخل مع النص الأدبي؟ هل هو دعوة بعض الفرق العالمية لتقديم عروضها في قلعة عراد مدفوعة الثمن؟ أم هو عدم إدراك هؤلاء النواب كل ما هو ثقافي؟ تُرى ما الذي يستفز هذا الوعي الديني، المنقطع الصلة عن استيعاب وفهم دور الثقافة والفنون في المجتمعات، وخاصة أن البحرين تميزت منذ القدم بوجهها الحضاري والثقافي، واحتفائها بكل ما له صلة بالثقافة، حتى سجلت الريادة فيها على كل دول الخليج؟ وحين نتحدث عن دور الثقافة فإننا حتما نتحدث عن الدور الهادف للثقافة. أيعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين أن ندخل سجالا عقيما حول هذا الدور للثقافة في المجتمع، وحول أهميته وقيمته في دفع الوعي الإنساني الى التطور والارتقاء؟ وإذا كان الاعتراض على استضافة بعض الفرق العالمية والعربية المميزة، فأين موقع مثل هذا الاعتراض على الفضائيات وعلى الانترنت التي تقتحم البيوت بأوجه إسفاف حقيقية في مجالات الفن تحديداً؟ ماذا بإمكانهم ان يفعلوا - ومن المفترض ان يتحدوا كبرلمانيين عرب ــ تجاه أفلام الاستباحة العقلية (المترجمة) للناس من خلال الفضائيات العربية، التي تقدم وجبات دسمة على مدار الساعة من أفلام الرعب والعنف وبرامج الخلاعة، وهي التي تمثل الخطورة الحقيقية في تشكيل وعي وسيكولوجية الشباب والمراهقين بشكل سلبي يدحرجهم نحو هاوية التفاهة؟ إننا اليوم في زمن التكنولوجيا المفتوحة على عولمة إعلامية شرسة، وكل المجتمعات أصبحت تعاني من آثار ذلك الاقتحام المفروض على العقول، وتفكر من خلال الثقافة الهادفة والفنون الراقية، في إقامة شيء من التوازن الفكري والنفسي للناس. لذلك فإن دور الثقافة ودور الفنون في حقيقته هو دور يقع على عاتقه مواجهة الإسفاف الثقافي والفني، وليس خلقه أو الترويج له كما يعتقد هؤلاء، وما ربيع الثقافة إلا أحد المنافذ للإطلالة على مثل تلك المجابهة بما تستضيفه من فعاليات ثقافية هامة. فلماذا اذاً يكون هذا المهرجان الثقافي مستهدفا بمثل هذا العنف؟ وإذا كان هناك من نقد تجاه أي فاعلية على حدة، فعلى الذين يريدون تشكيل لجنة للرقابة، أن يراقبوا أولا مدى مصداقية الرؤية الثقافية عندهم وعمقها ومدى تمتعهم بذائقة فنية وإبداعية تستطيع أن تفرّق بين الغث والسمين فيما يتم تقديمه، وألا يجعلوا من رقابتهم رقابة وعي ديني متسلّط، في إطار منظور لا يفرّق بين التخلف والتقدم في الرؤية الفكرية تجاه دور وفاعليات الثقافة، وأثرها على حيوية المجتمع والناس. وحتى لا يجعلوا من محاكمة ربيع الثقافة محاكمة شاملة لاحقا لكل معطيات الثقافة، من دون فرز ومن دون وعي جاد، إلا الاحتكام لرؤى ترى في الثقافة سخافة، وذلك شرّ الوبال. حينها يختلط الحابل بالنابل في زمن العولمة الشرسة، فتؤخذ الثقافة الفاعلة والراقية بوزر الهرج الفني الذي تكتظ به الساحة الفنية في كل مكان، سواء في الفضائيات أو الصالات أو غيرها، رغم ان الثقافة الجادة هي وحدها التي بإمكانها تعديل الميزان نحو توجيه الوعي المجتمعي الى المضمون الحقيقي للثقافة والفنون. حين يفكر أحدهم في محاكمة فاعليات ثقافية من دون القدرة على التمييز بين الغث والسمين، فذلك يشبه من يتحسس بندقيته لمجرد سماعه بمسمى الثقافة، وتلك بادرة خطيرة يجب على كل مؤسسات المجتمع المدني مواجهتها، لأن أولاً: المثقفون الحقيقيون هم أول الجبهة ضد كل مظاهر الإسفاف والاستباحة باسم الفن والثقافة، ولأن دور الثقافة في المجتمعات دور لا يمكن فصله إطلاقاً عن تكوينها وتكوين البشر فيها، وتطوير ملكاتهم الإبداعية والثقافية والفنية التي تسمو بهم من طور التخلف إلى طور الرؤية الواعية لكل ما يجري في داخلهم وحولهم عبر المعطيات الثقافية والفنيّة العالية.
اخبار الخليج- 18 مارس
* * *
لا أدري ما هي ''الضوابط الشرعية'' للرقصات التي تريد أن تقرها كتلة الأصالة في مملكة البحرين من خلال لجنة التحقيق الأسرع والأول في الفصل التشريعي الثاني، حتى نرسل نسخة منها للفرق التي سندعوهــا لاحقــاً كــــي نضمــن مطــــابقتهـا لاعــرافنــا و تقاليدنا وديننا؟!
هل نتصور الأخوة في كتلة الأصالة يجلسون مع الأخ وزير الإعلام و الأخت الشيخة مي يطلبون منهما وضع ضوابط للرقصات التعبيرية مثلا؟ وكيف سيشرحون لهما تلك الضوابط؟
هل ستضحكون على بعض أتباعكم و من صوت لكم وتبرأون الذمة منهم و تخلصون إلى تسوية مع الحكومة تنتهي كما انتهى أخوتكم في الكويت مع حكومتهم بلائحة ضوابط شرعية للحفلات هاجمها الإسلاميون قبل الليبراليين؟
لائحة من 13 بنداً الثاني منها يحدد ملابس المغنية و الأخير منها يفرض مفتشين لهم صلاحية الضبط القضائي لمراقبة تطبيقها! ولا أعرف تحت أي بند دستوري خرج هذا النوع من الضبط القضائي؟ أما البند الثالث منها يمنع رقص الجنسين من المغنين و الجمهور مما ترتب عليه منع وقوف الجمهور و البقاء في الكراسي، وإعطاء رخصه للمفتشين القضائيين بأن يسحبوا أي (مستطرب) وقف ورقص في مكانه، حتى خرجت الجماهير الكويتية من الحفلات ورقابها تؤلمها من كثرة (المجولع) فهذا هو بديلها الذي أوجدته كمخرج للتعبير عن طربها وهي الممنوعة من الوقوف؟!
لو تقرأون ما كتبه الإسلاميون عن هذه اللائحة لتراجعتم؟ فليست هناك تسويات ترضي جماهيركم التي ترفعون سقف توقعاتها.
ياجماعة الخير هذا ليس منتصف عصاكم حتى تقنعون أنفسكم بأنه لا خيارأمامكم إلا مسك العصا من النصف؟ لو طبقنا رؤاكم لما وجدتم حفلات أصلاً، إن الغناء محرم عندكم. الصور محرمة عندكم، فعن أي لقطات ''مخلة بالآداب'' تتحدثون وتمسكون بصورها وتتذمرون؟ و عن أي مخالفات تبحثون؟ إن كنت تتحرك من قناعاتك أخي النائب السلفي، فكل ما يجري هو مخالف من (ساسه لكرياسه) لقناعتك، ليست هذه اللقطة أوتلك، فلا حفلة ولا يحزنون ولا فرقة من الأساس تدخل البحرين، فلا تساوم على قناعاتك حتى نبقي على احترامنا لك.
ياجماعة الخير والله إننا ننشد الخير لكم .. و في هذا لكم أن ندافع عن حقكم بأن تدعوا الناس وتناصحوهم، وأن تمسكوا أنفسكم عن الذهاب لتلك الحفلات، وأن تغضوا الطرف عن إعلاناتها، وأن نمنع أيا كان من الجيران والأمن ممن يحاول إجباركم وقسركم على ارتيادها، فلكم حرية معتقدكم و لكم حرية ممارسة هذه المعتقدات، ولكم كل الاحترام و التقدير ولكم أن نمنع عنكم أي تحقير أوإهانة تمسكم بسبب معتقدكم، فهذا واجب الجميع تجاه بعضهم البعض حفاظاً على الوحدة الوطنية وحفاظاً على وطن شامل يجمعنا تحت راية واحدة.
لكنكم لستم أوصياء على الالآف من البشر من العوائل والأفراد، العرب والأجانب المسيحيين والمسلمين واليهود، البحرينيين وغير البحرينيين الذين ارتادواهذه الحفلات وهم أيضا يعرفون الله مثلما تعرفونه، فلستم في مواقع إجبار الناس على العيش مثلما تعيشون هذه ليست مهامكم! فلا تشغلونا كما جرت العادة كلما اقترب وقت مناقشة قضايا عليها إجماع عام!
الوطن- 15 مارس 2007
* * *
نبحث عن قيم ثورية وإنسانية في حياتنا فنجدها تلاشت بعض الشيء في زحمة شحنات التطرف والتعصب العقائدي أو العرقي أو المذهبي أو غير ذلك.
لن نكون في منأى من هذا كله إن حلت حرب رابعة في منطقة الخليج، فهناك من يرفض الحرب وأشكالها وهناك أيضاً من يبحث عن الحياة، وهناك من الأمور التي نستصعب فك رموزها المعقدة في لغة الحياة، هذه اللغة التي تتجسد في العلاقات الإنسانية مثل التسامح والحب والنضال والصداقة وغيرها.
في «مجنون ليلى» جاء عمل ليكسر جميع الحواجز التي تبحث عنها النفس الإنسانية التواقة للتحرر من قيود أياً كان شكلها في النص الشعري لقاسم حداد وفي التأليف الموسيقي لمرسيل خليفة وفي الرقص التعبيري لنادرة عساف الذي يحاكي لغة الجسد في حميمية وانسيابية عالية.
هناك في الذاكرة البحرينية الكثير من الشجن لهذه المفاهيم الإنسانية التي نجترها في جلساتنا مع جيل آبائنا عن حكايات جيلهم في الستينات وكيف كان الإنسان يبقى هو الإنسان من دون تصنيفات أو مسميات تبنى عليها فيكون مسكوناً بالحب أو بالثورية من دون حواجز فكرية، وجميع أطياف المجتمع البحريني تلاقي بعضها بعضاً بروح باحثة للحرية واحترام الإنسان.
إن التحولات التي عايشها هذا الجيل لم تكن فترة وانتهت بقدر أنها مازالت موجودة، إذ عكس تفاعل وحضور حشد كبير من الجمهور سواء من الأجيال السابقة أو الحالية لأمسيتي «مجنون ليلي» عن حاجة وتعطش للفن الملتزم، هذا الفن الذي يعبر عن ما في خلجات النفس البشرية وهو ما يدل على أن الساحة الفكرية مازالت بخير في صفوف الشارع البحريني.
ليس بجديد أن نشهد هذا الحضور الكبير في حفلات مرسيل خليفة في البحرين، لكنه يشير أيضاً إلى تزايد الوعي إلى مثل هذه الأعمال الإنسانية التي جاءت في «مجنون ليلى» وهو ما يثلج الصدر بأن البحرينيين مازالوا تواقين إلى الفن الإنساني كون الجميع يبحث عن الواقعية التي تهتم بالإنسان وقضاياه.
إن إبداعات قاسم حداد ومرسيل خليفة عكست تفاعلاً حقيقياً مع جمهور البحرين العربي الذي مازال يقدر النص الشعري المتمثل في فكر الإنسان الحر وفي موسيقى ورقص تعبيري يلامسان الواقع بأسمى معاني الإنسانية.