محمد أحمد البنكي

ثق في النزاهة الشخصية للأخ النائب إبراهيم بوصندل لكنه في البدء والمنتهى رجل غيور على الدين يتصور أنه يقود حرباً مقدسة ضد العفن والتحلل، ويخرج من كراساته دلائل اتهام يحولها إلى لجان تحقيق، ومعها يثور ألف سؤال وسؤال حول حداثة تجربته البرلمانية، ومدى إدراكه لقواعد اللعبة، وجدولة الأولويات. والخطأ يقع أحياناً فيما يرتكبه الناس فعلاً ولكنه يقع، في أغلب الأحيان، في سياسات واختيارات تعامل النائب أو شيخ الدين مع هذه الأخطاء والمخالفات.
لا تغضب يا إبراهيم، ولكن لا يصح - بمنطق اللحظة - إلا أن نصارحك بأن ما أقدمت عليه، وجررت كتلتك إلى تبنيه، بخصوص زج وزير الإعلام في لجنة تحقيق بسبب جزئيات عرض وحيد من عروض ربيع الثقافة، لا يرقى إلى مستوى الرؤية بعيدة النظر، لاسيما وأن هناك مساندة شعبية، وفي أوساط كتل برلمانية، للوزيرعلى خطواته بشأن ملف تجاوزات الفنادق في البحرين، وهي مساندة توشك أن تتزعزع جراء أقدام نواب، ينبغي أن يكونوا حلفاء للوزير، على محاكمته ووضعه في قفص الاتهام في هذا التوقيت بالذات!

نتصور أنه خلط للأوراق لا تشفع له النوايا الحسنة، فالطموح إلى اختيارات سياحية استراتيجية نظيفة للمملكة أكبر في معناه من تحويل ''مجنون ليلى'' إلى قضية رأى عام تطيح بالقضية الأولى وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. ووزير الإعلام يستحق الشكر لا الهجوم. ولا ينبغي أن تنقلب الآية فيكون جزاء الدكتور محمد عبدالغفار جزاء سنمار، وممن؟ من أولئك الذين حفت أقدامهم جرياً وراء مسؤول يشاطرهم الرأي في أهمية ترشيد أوعية التنشيط السياحي في البحرين؟!
بوضوح أكثر: ليس مجال النقاش هنا هو طبيعة المؤاخذت التي يراها هذا أو ذاك على عرض واحد من عروض مهرجان يمتد لشهر ونصف الشهر. ولكن ما يستحق تركيز الضوء هنا هو عقلية التحرك بالحكم الشرعي، وفقه تنزيله على الوقائع وأوجه الخطأ في تطبيقه دون مراعاة للضوابط والموانع والمصالح الشرعية.
ولو أننا سلمنا، جدلاً، بصحة الاستنتاجات التي انتهى إليها من شاهد صوراً متداولة عن عرض فني في ربيع الثقافة، ووافقناه الرأي على وجود اجتراء ومخالفات وخروج على الضوابط الشرعية والذوق العام، لو سلمنا بكل ذلك فهل تكون المعالجة، أخذاً في الاعتبار لكل الظروف والسياقات، بمثل التصريحات التي خرجت تتحدث عن الفحش والخنا والفجور؟ أو تكون المعالجة باستعراض الصور المسروقة والمطالبة بالضبط والتحقيق، حتى دون المعرفة الدقيقة بما ينجر عن هذه الوسيلة البرلمانية وآلياتها من مصالح ومفاسد؟
مرة أخرى نقول، هناك أعمال شرعية لها حق التقديم على غيرها. ومن فقه الأولويات أن يوضع كل شيء في مرتبته. فلا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير. ولا يصغر الأمر الكبير، ولا يكبر الأمر الصغير.
وحين تكون المصلحة الشرعية متجاذبة بين دعم الوزير في موضوع الفنادق، أو إيقافه أمام لجنة تحقيق بسبب عرض محدود الزمان والمكان، فلا بد من الفهم الدقيق لفقه الضوابط التي يتم، بناء عليها، ترجيح حكم على آخر في حالة التزاحم. والتحرك الشرعي الصحيح يضع كل شيء في اعتباره: الوضع الأصلي والوضع الاستثنائي، الموازنة بين الشرور والأضرار. تأثير الأوضاع والأعراف على بعض الأحكام. درجات التشدد في تطبيق الحكم الشرعي إذا كان الأمر فيما تعم به البلوى (وللفقه الحنفي اسهام جليل في البند الأخير&#8238 .
والمصلحة الشرعية، بالنظر إلى الظرف الذي يسعى فيه البعض من أجل جرّ وزير الإعلام عن لجنة تحقيق في سابقة برلمانية مزلزلة لمكانته، غائبة في الحكم الشرعي على مجريات عرض ''مجنون ليلى'' ضمن ربيع الثقافة، وذلك من وجوه ثلاثة: إما لتعذر تطبيق ذلك الحكم، أو لطروء ظروف معينة مخالفة لتلك التي أفرزت الحكم الأصلي، أو لكون وسيلة تحقيق مقصد الحكم أصبحت مرجوحة. ومن هنا نستأنس بما يراه الأصوليون من أن المصلحة تسوغ عدم التقيد بالحكم الشرعي الأصلي، واستبداله بحكم آخر يحقق مقصد الشرع أكثر مما يحققه الحكم الأصلي.

وإذا أتينا إلى بعض تفصيل للوجوه الثلاثة نقول:
أما الوجه الأول، وهو تعذر تطبيق الحكم الشرعي فهو وارد. والتعذر يأتي من عدم كفاية موجبات إيقاع الحكم الشرعي. فالواقعة المتمثلة في العرض الفني لافتتاح ربيع الثقافة لم يجر معاينتها مباشرة ممن شنع عليها. وكل ما تم تقديمه هو صور فوتوغرافية، تم ترويجها بطريقة غير مشروعة، وهي لا تمثل اثباتاً مباشراً كافياً لحالة الأشخاص والأشياء والأماكن ذات الصلة بعرض ''مجنون ليلى''. فالمعاينة، والفحص المباشر هما عصب التحقيق ودعامته وعماده. والصورة لا تعبر عن الواقع والحقيقة تعبيراً صادقاً يؤمن من الكذب أو الخداع أو الانتقاء.
كما أن مظنة تعذر تطبيق الحكم الشرعي تأتي، أيضاً، من منافاة طريقة الضبط، والتحري عما وقع، للآداب وشروط صحة وسلامة جمع الدلائل. وهناك أسباب واضحة للطعن في فعلة من سرق هذه الصور وروجها بطرق مخالفة للقانون. فالذي حدث هو إن بعض المشتغلين في الصحافة والإعلام قد استولوا على صور العرض، بوسائل تقع خارج الصلاحيات والامتيازات المناطة بهم، ثم عمدوا إلى إرسالها بالإيميلات إلى نواب ومشايخ دين وعموم الناس على نحو ملبس يستحق التساؤل والتحري عن دوافعه، ثم أخذ بعض من أرسلت إليهم الصور الأمر على عواهنه، دون التساؤل عن مخالفة طريقة جمع الأدلة والقرائن للقانون، وما إذا كانت هذه المخالفة يترتب عليها بطلان الاستناد إلى الصور وحدها أصلاً أم لا.
وأما الوجه الثاني من وجوه استبدال الحكم الأصلي في تقييم الواقعة بحكم آخر يحقق المصلحة الشرعية بشكل أوفى فهو: طروء ظروف مخالفة للتي أفرزت الحكم الأصلي. وهذا أمر يستحق التأمل، لأنه إذا كان الحكم الأصلي، جدلاً، هو إدانة منكر وقع في استعراض فني بما يتجاوز الضوابط، فإن ظروف السياق السياسي والاجتماعي قد وضعت حكم الإدانة هذا في مشهد يتضمن قراراً استراتيجياً أكبر، يخدم المصالح الشرعية، بردع منكرات صالات الفنادق، وما يصاحبها من زنا ومعاقرة خمر، واجتراء على حدود الله. وقد كان القائم على محاربة هذه الآفات والموبقات الكبرى هو من يراد اضعافه بقرار لجنة التحقيق في ''المنكر'' الأصغر المتمثل، جدلاً، خلال عرض تم تقديمه مرة أو مرتين ثم انتهى الأمر.
وأما الوجه الثالث وهو إن وسيلة تحقيق مقصد الحكم أصبحت مرجوحة، فذلك قمين بالاعتبار أيضاً، لأننا إذا افترضنا أن ما وقع في استعراض ''المجنون'' مخالفة شرعية تستحق التنبيه واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها فظاهر أن مقصد الحكم هنا هو إيقاف المخالفة الشرعية. وإيقاف المخالفة الشرعية له وسائل. فبالإمكان إيقاف المخالفة (احتمالا&#8238 عن طريق لجنة تحقيق برلماني، وبالإمكان إيقافها عن طريق الاجتماع بالمسؤول، وبالإمكان إيقافها عن طريق الرأي، والمجادلة بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة.
ومادامت وسيلة التشنيع والفضح البرلماني العلني، واقتياد وزير الإعلام إلى لجنة تحقيق هي وسيلة مرجوحة، بسبب دقة الموازنات وتراتبات الأولويات، وضرورات التعاون في دفع المنكرات الأكبر، فإن اعتماد وسائل أخرى، بينها المناصحة والمكاشفة واللقاءات الجانبية، هي أفضل أثراً، وأبعد نظراً، وأرجى لتحقيق المصلحة الشرعية. وإذا كان للمقصد الواحد عدة وسائل فإن على الإنسان الحصيف أن يسعى إلى تحصيل أحكمها لتحقيق كمال المقصد. وترك الوسيلة الأحكم والأكثر فائدة في تحقيق مقصد الشارع إلى الوسيلة الأكثر تشدداً وإثارة وتجهما تقصير في تحقيق مراد الشرع والشارع.
ولعل مدار الأمر كله كامن في مسألتين هما: العلم بمراتب المنكرات وطرق الإنكار من ناحية، والوعي بمبدأ تراتب الأولويات من ناحية أخرى. وما أكثر الزلل الذي يقع ممن يأخذ بعلم الرواية دون أن ينال حظا من علم الدراية وهو أمر نابع من المسارعة إلى الاستشهاد بالنصوص دون الالتفات إلى الكيفيات التطبيقية للأحكام المتعلقة بساحة صراع وتنافس وتدافع في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين الأطياف التي تنخرط في اللعبة المتصلة بالشأن العام.
وهنا يحتاج الأمر إلى علم بمراتب المنكر أيضاً، فكم من غيور غابت عنه هذه المراتب فسوى، في إنكاره، بين الكبيرة والصغيرة. وكم من غيور جاوز حد الحكمة والتأدب في السعي إلى تغيير المنكر. وكم من غيور لم يهتدِ إلى وزن الموقف لمعرفة ما إذا كان يصلح الإنكار فيه أم لا. والرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى في المجتمع المكي عدة منكرات: الأصنام - بيوت الدعارة - طواف النساء عاريات في جوف الكعبة.. إلخ لكنه لم يغيرها في بداية الدعوة، درءاً لما قد ينجم عن هذا التغيير المستعجل من مفاسد أكبر. ولله در ابن القيم إذ يقسِّم، في أعلام الموقعين، المنكر إلى أربع درجات ''الأولى أن يزول ويخلفه ضده، الثانية أن يقلَّ وإن لم يزل بجملته. الثالثة أن يخلفه ما هو مثله. والرابعة أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان. والثالثة موضع اجتهاد. والرابعة محرمة''. ولعلي أحيل هنا من يريد التوسع إلى كتاب ابن النحاس ''تنبيه الغافلين من أعمال الجاهلين'' فقد فصل في شروط تغيير المنكر وفي كيفية تغييره وفي درجات المنكر ومتى يغير ومتى يسكت عنه.. وغير ذلك من المباحث الهامة.
والمسألة الثانية هي الوعي بتراتب الأولويات، وحدود تخول الناس بالموعظة، وطرائق التأتي إلى قناعة الناس وتغييرها، مع الأخذ بالاعتبار تفاوت الطبائع البشرية، وحظ كل شخص من الإقبال على التكاليف الشرعية. فالناس إزاء التكليف الديني أصناف، منهم من يأخذ نفسه بالعزيمة والأشد والأحوط، ومنهم من يرتضي بالحد الأدنى من التكاليف، وأقل ما يمكن قبوله ليكون في عداد المسلمين. من الناس من هو سابق بالخيرات، ومنهم المقتصد، ومنهم من دون ذلك. والدين نزل لكل هؤلاء. ولكل حظه ولكل سعيه. لا يمكن صبهم في قالب واحد. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر.
ولا مناص لمن أراد أن يرشد الناس من التؤدة وسعة الصدر والحلم والتدرج ومراعاة ما حقه التقديم، والتغاضي عما حقه التأخير، وإحسان قراءة الظروف وتقدير المصالح والمفاسد.
لقد سلك الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، مسلك التدرج فكان يراعي بشكل واضح مبدأ الأولويات. يقدم ما يستحق التقديم ويؤجل ما لا يناسب الظرف. رغم طلب أصحابه، بل إلحاحهم أحياناً، في استصدار بعض الأحكام. كما كان يعطي لكل واقعة حجمها الحقيقي، وما تستحق من عناية واهتمام لا يزيد في ذلك ولا ينقص.
ثم أن للمصلحة الشرعية ضوابط. فالأكثر مصلحة أولى بالتقديم من الأقل مصلحة، والأكثر مفسدة أولى بالدرء من الأقل مفسدة. والأعم مصلحة أولى بالتقديم من الأخص. ولاشك أن دعم وزارة الإعلام في مقاومتها لموبقات ومخالفات بعض صالات الدعارة التي تنتشر انتشار النار في الهثيم أعم مصلحة من الحرب على مؤاخذات ربيع الثقافة (وتحديداً عرض واحد من بين 45 فعالية متنوعة&#8238 .

إن كل ما هو أهم يقدمه الشرع على ما هو مهم. ولا يجوز شرعاً الاشتغال بالمهم على حساب الأهم. وكما يكون التقديم في الأهمية يكون التقديم على أساس الأصلحية. والأصلحية يقصد بها كفاءة الفرد لمسؤولية معينة. فلو إن وزيراً للإعلام نصر الدين في قضية تقاعس فيها غيره، كقضية تنظيف السياحة، ووقف مخالفات الصالات الفنية التي تستحل الدعارة ويطرقها مواطنون ومواطنات، وغلب على الظن أنه لو جاء وزير غيره لما فعل ما فعله هو من دفاع عن الحرمات، لتعين عندها تقديم أولوية الأصلحية بأن يعان هذا الوزير على مسؤولياته، ولا يقدم للجان تحقيق في سوابق برلمانية تنال من مصداقيته وصلابة مواقفه في وقت يهاجمه فيه الآخرون لأنه أراد دفع الموبقات!، ذلك حتى لو نجم عن بعض أدائه قصور أو خطأ في مواضع جزئية، فالأصل هنا هو أصلحيته للمسؤولية ووجوب أعانته والذب عنه لا أضعافه وتأليب الناس عليه، والقاعدة المنظمة للسياسة الشرعية هنا هي ما ذكره الإمام القرافي حين قال ''يقدم في كل موطن وفي كل ولاية من هو أقوم بمصالحها''.
وفي الحوصلة نجمل فنقول: على نوابنا ومشايخنا الكرام أن يلتفتوا إلى أهمية فقه الأولويات في تحركاتهم المتعلقة بالشأن العام فلا يكونوا كالدبة التي قتلت صاحبها! ومن الأهمية بمكان أن تنقدح في أذهانهم الضوابط التي تعطي أحقية السبق لنوع من الأحكام على نوع آخر في العمل السياسي، وتهدي إلى معرفة الحكم الأولى بالتقديم عند تزاحم الأحكام، مع التذكير بالمراتب الشرعية للتعامل مع المعروف والمنكر، والتنبه إلى خطورة الاشتغال بالأمور الجزئية الهامشية على حساب القضايا الجوهرية نسأل الله أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه خير البلاد والعباد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الوطن -السبت 17 مارس 2007 - العدد (461)

****

ربيع الثقافة : ليفرح المتدينون فالربيع يعود من ثاني والبدر يهل من ثنيات الوداع

محمد أحمد البنكي

الزمان: مارس 2008
المكان: مدرجات ربيع الثقافة 3 - قلعة عراد
المشهد: الشيخ محمد خالد يُقبل معانقا قاسم حداد وسط الجموع المحتفلة بالافتتاح.. بحركة لطيفة يشيح عن مصافحة الشيخة مي الخليفة (لأن الفتوى لا تجيز مثل ذلك الأمر).. في جانب المشهد يتبادل وزير الإعلام ضحكات مع سيد ضياء الموسوي وعادل فخرو. تبدو الجموع مبتهجة فيما تتداول كتيب برنامج المهرجان.
زوبعة الربيع الماضي تبددت وبدت كما لو أنها حديث ذكريات يجري فيه تبادل النوادر والطرف. هذا ربيع ثقافة أكثر استجابة لطموحات الجميع، والبرامج التي يتضمنها خططت كما لو أنها تشترع محاصصة جديدة ترضي جميع الأطراف..

ترى هل يكتب لمثل هذه الصورة أن تحدث في ربيع الثقافة القادم 2008 .. هل يعبر الفرقاء أزمة الثقة التي صنعت بينهم ما صنع الحداد. أخذ العبرة من عنتريات مداولات مجلس النواب 2007 ألقى بظلاله على صيغة التعاطي الأكثر رشدا بين الجميع. لم يفقد ربيع الثقافة حس الالتقاط النوعي للبرامج الفنية الرفيعة وفي الوقت نفسه اجتاز بعض الإسلاميين حاجز الخوف من المخالطة والحوار والتدامج، حتى وإن ظلت لهم خصوصياتهم في الحضور والمشاركة. كان الشيخ محمد خالد قد أطلق تصريحا بأنه ليس ضد الثقافة وأنه يتمنى على المسؤولين التأسي بمهرجان الجنادرية في الشقيقة العربية السعودية. لا مانع بالطبع من الاستفادة من تجارب الآخرين لا سيما إذا كان في الأمر ما يصنع أرضية مشتركة مع شريحة ظلت متحفظة وبمنأى عن المحافل التقليدية للمثقفين. سيكون علينا في البحرين دائما، بموجبات المزاج الذي يصنعه الموقع الجغرافي السياسي للمملكة، أن نكون وسطيين دائما نرغب في تلاقح الأفكار، وإن لم يمنعنا ذلك من إعطاء القوس لباريها. سيكون علينا أن نبني الثقة بين الجميع، فهذا قدرنا ولا حاجة لاستعراض القوة والضرب تحت الحزام.
ربيع الثقافة أكثر حوارا مع الإسلاميين؟ هذا ممكن، وقد لا يحتاج الأمر إلى أكثر من فتح منافذ للنقاش والتفاهم والوصول إلى صيغة واقعية تضيف على الألوان القزحية الجميلة للربيع ألوانا وظلالا تغني بهجة التنوع ورونق التعدد. لنرسم صورة تخيلية لإمكانيات متاحة:
مؤسسة مثل مركز اكتشف الإسلام تستضيف مفكرين عدة على تماس مختلف مع الإسلام يصحبه في كثير من الأحيان تحول جذري في القناعات وربما في الديانة، ما الذي يمنع: على غرار ما يجري مع جاليري الرواق أو جاليري البارح من التنسيق مع مخططي البرنامج لتوفيق رزنامتهم السنوية مع فعاليات ربيع الثقافة بحيث يستضاف أحد المفكرين ممن يمكن أن يغني البرامج بنكهة مختلفة لها طلابها وجمهورها على أي حال. ''بيت القرآن'' إحدى المؤسسات المتميزة في نسيج الفكر والثقافة في البحرين، وقد استضاف مستشرقين وأساتذة جامعات ومهتمين بالتراث الإسلامي وفنانين في الخط العربي، لا مانع إطلاقا من دخول بيت القرآن على الخط ، وترشيح بعض ممن يضمهم موسمه الثقافي للإسهام في إغناء برنامج الربيع بشكل عام.
ثمة تجارب أخرى تستحق الإضاءة كذلك، وهي بالمواصفات الجماهيرية حائزة على مؤهلات النجاح، كما أنها رفيعة القدر بالمقاييس الفنية أيضا، ماذا لو كان أحد ضيوف المهرجان هو المغني العالمي يوسف إسلام (كات ستيفنسون)، ماذا لو استضفنا تجربة فنية تستقطب البريق والأسئلة مثل تجربة الفنان سامي يوسف.
منذ فترة وجيزة ترجم عبد القادر عقيل دراسة رائعة عن فن القوالين الباكستانيين، هل يفكر المهرجان باستضافة أحد من هؤلاء للشدو بفن عريق، لا بد أن بعض الجاليات المقيمة في البحرين ستتفاعل معه كما سيتفاعل معه المعنيين بموسيقى العالم والشعوب وبمناخات الإنشاد الديني. مدينة فاس بالمغرب تستضيف سنويا مهرجانا للموسيقى الروحية يحضره وزراء ثقافة من دول أخرى وتتبلور حوله ثقافة انفتاح وحوار بين الثقافات، وقد شارك فيه موسيقيون ومغنون كبار بينهم المالي سليف كيتا، والفرنسي أنريكو ماسياس والتونسي لطفي بوشناق والتبتية يونج شن لامو وغيرهم.، ويقام المهرجان في مواقع تاريخية لفاس مثل باب الماكينة ومتحف البطحاء وموقع وليلي. ما الذي يمنع أن يدخل على خط مهرجان الربيع اهتمام بحوار القيم الروحية من خلال الفن والموسيقى.
العلامة اللبناني هاني فحص وهو معمم حوزوي كتب في المسرح حتى ألف كتبا مختصة في ذلك، ما المانع من استضافة الوجه الآخر له، وروجيه عساف ذاك المسيحي اللبناني الذي تحول إلى الإسلام واستمر في تقديم مسرحه الذي انطلق من محترف بيروت المسرحي وغيرهم كثر، وأرجو أن لا يفوت المقام هنا دون فتح طاقة على التراسل الخصب الكامن في التحولات بين الفن والثقافة، لدينا بعد أيام حفلا استعراضيا كبيرا لخالد الشيخ في الدوحة يشارك فيه الفنان فهد الكبيسي، وهو منشد إسلامي قطري توسعت آفاق عطائه فدخل ساحات أوسع من الفن، ولدينا الفنانة هالة الصباغ التي ستشارك الفنان خالد الشيخ في أمسيته الغنائية بالبحرين ضمن ربيع الثقافة بعد أيام، وهي قد دخلت الفن من تجربة الإنشاد الديني في البدايات أيضا (صاحبة أنشودة: يا طيبة يا طيبة)
وهناك في ساحة الفكر اسماء تحافظ على السمت الرفيع لبرامج ربيع الثقافة مضيفة نكهة دينية آفاقية تفتح على تنوع أخاذ في البرامج: لنتصور أن أحد ضيوف المهرجان القادم هو طارق رمضان، استاذ الفلسفة الأكاديمي، حفيد الأمام حسن البنا، الذي يشغل كل جامعات واعلام أوروبا اليوم من موطن اقامته في سويسرا، أو لنتصور أن أحد المنتدين في الربيع هو المفكر الإسلامي الإيراني عبدالكريم سروش أو الشيخ محمد مجتهد شبستري، وللأخير حوارية رائعة مع أدونيس واتصال معمق بمدرسة التأويل الألمانية رغم كونه رجلاً معمماً.
لا يعني هذا أن يتحول ربيع الثقافة إلى ربيع ديني من قمة الرأس حتى أخمص القدمين، بوضوح أكثر المطلوب هو استكمال ألوان الطيف لا تحويل الربيع عن وجهته، ولا استبدال توجهات خطط واستراتيجيات الجهات المنظمة في الترويج السياحي والترفيه المستوعب لمختلف أشكال الفنون بوجهة حصرية تضيق واسعا وتستجلب شريحة وحيدة إلى مدرجات العروض، فيلتفت المرء ولا يجد إلا لحىً وعمائم ومنقبات تحوقل وتسبح وتطلق التكبير إثر التكبير.
ليست المشكلة في الفن بحد ذاته ولا في الثقافة ولا في الدين أيضا، المشكلة في عقلية من يقصي هذا عن ذاك. ومن لا يعرف تاريخ تعالق الفنون بالديانات فيجفف كل منابع للإرتواء المتبادل. إنها مشكلة قراءات إبتسارية للدين وللثقافة والإبداع معا. وربما يكتب لربيع الثقافة أن يجسر هذه الفجوة فتتجه الجهود جميعا إلى ربيع مدعوم بتكاتف مشترك يحترم كل القيم الأخلاقية والروحية.
الحوار كفيل بتذليل الكثير من العقبات لكن هل هناك من يقدم على ارتكاب هذا الحوار دون ضجيج ودون إقصاء ودون مزايدة؟

الوطن

***

«مجنون» مارسيل ..
ربما حان الوقت لسماع وجهة نظر أخرى

حسين مرهون

نحو الساعتين أمضاهما جمهور الصالة الثقافية متسمراً أمام ‘’مجنون’’ مارسيل - حداد. وعلى خلاف أفق توقعه السابق، الذي أملى على بعضه أن يأتي إلى الحفل - كما العادة دائماً مع التقليد المارسيلي - متلفعاً بالشماغات البيضاء المبقعة بالأسود تأكيداً من جانبه (الجمهور) على التزامه بقضاياه ‘’المعممة’’ التي غنى لها مارسيل خليفة طيلة ثلاثين عاماً، (على خلاف ذلك) جاء ‘’مجنون ليلى’’.
فالعمل ‘’الكوروجرافي’’ المُبتَنى على تقاطع عدد هائل من الفنون والذي استُهلّ به يوم أمس الأول (الخميس) مهرجان ربيع الثقافة لم يهتف باسم القضية ولا باسم القدس أو المقاومة المظفرة، إنما باسم المغامرة الوجودية الأسمى في حياة الكائن البشري: الحب والرغبة
وعلى رغم ذلك، فإن الجمهور الذي جاء بعضه من سياقات اجتماعية مليئة بالندوب، وبعضه من ذاكرة تلقي حافلة باليوميّ والمعيشي، سرعان ما تأقلم مع المغامرة المارسيلية الجديدة، فلم يمنع نفسه من أن تجرب الذهاب بعيداً مع ما يقترحه مارسيل عليه أو، من أن يقف مصفقاً ومسدياً التحايا غضون المستقطعات الزمنية الفاصلة بين لوحة وأخرى.
لكن هتافات الأفئدة الحرّى، لم تكن كافية لكبح الكثير من الأسئلة التي طفت حال التأكد من انتهاء العرض. ومثل أي عمل يشتغل على الاختلاف وعلى الوعد بالمفارقة، لاقى ‘’مجنون ليلى’’ حصته - لن نقول الجاهزة!- من النقد. أولى الملاحظات الناقدة جاءت من الوقت الذي استغرقه عرض العمل، خصوصاً مع إمكانية الاستغناء عن بعض اللوحات التي دخلت مع الإطالة في إخفاق التكرار، حتى وإن حاول مخرج العمل عبر استثمار براعته في التنويع على الآلات الموسيقية، إيهام المتلقي بعكس ذلك.
من جهة أخرى، بدا واضحاً أن طغيان الرقص التعبيري الحديث، والتعويل عليه كثيراً، بعد تطعيمه بإيحاءات حسية، قد أكل الجوّ على دور الشخصيتين الرئيستين: قاسم ومارسيل.
ويمكن التدليل على ذلك بحالات الصمت المطبق التي كانت تستولي على الجمهور الحاضر، في أوقات الرقصات المبنية على حالة التصعيد الحسي، وعكس ذلك، حين غناء مارسيل أو إلقاء شعر حداد. ناهيك طبعاً، عن أن بعض الرقصات جاءت وفية إلى النص، وخاضعة على نحو أثير إلى سلطته اللغوية والتخييلية. وناهيك أيضاً، عن وفائها إلى الموسيقى التي لم يخفف تصريح سابق لمصممة الرقصات في العمل نادرة عساف بأن ‘’الممثلين تدربوا لشهور على الرقصات من دون الموسيقى’’، (لم يخفف) من وقوع الرقصات في شركها.
وليس غياب مارسيل وحداد، أمام طغيان اللوحات الراقصة، بالشيء السلبي، وجيدٌ أننا رأينا خلال العمل كسراً إلى ‘’كاريسما’’ قامتين فنيتين متينتين، إلا أن طريقة توزيع الأدوار على الخشبة، لا يشي بأن ذلك كان مقصوداً، أو قل ليس هناك الكثير من الدلائل التي تؤيد هذا الرأي. فوجود قاسم في أقصى المقدمة إلى اليمين، ووجود مارسيل في أقصى الخلف من الوسط، وحشر باقي المنفذين في الفضاء الجغرافي الواقع بينهما، لا يساعد كثيراً على الاطمئنان إلى أن المقصود هو كسر السلطة (سلطة حداد، مارسيل).
وحتى الآن، ما تزال هناك صعوبة في وضع العمل في سياق الأعمال السابقة التي اشتغلت على نص ‘’مجنون ليلى’’.
وتحديداً مع عمل ‘’أخبار المجنون’’ من تأليف أمين صالح وإخراج خالد الرويعي، بسبب أن عمل مارسيل يتقاطع كثيراً مع هذا العمل من جهة التقنيات المستخدمة: الغناء، صوت قاسم، الموسيقى. والمسألة ليست مسألة مقارنة، فالعملان مختلفان ما من شك، إنما المقصود مدى توفر الاشتغال الجديد على خصوصية في المعالجة تذهب بها في اتجاه آخر بعيد عن المعالجة السابقة. وربما تكون مشاهدة العمل مرة واحدة، لا تكفي لإصدار مثل هذا الحكم. ومنذ صدوره قبل نحو عشر سنوات عن دار أرابيسك في لندن، فإن ديوان حداد ‘’مجنون ليلى’’ قد أصبح محطة لتكاثر العديد من النصوص والفنون حوله. وكانت رسومات الفنان العراقي ضياء العزاوي أولى المحاولات التي سعت للاقتراب من النص، وقد عرفت طريقها إلى صفحات الديوان، قبل أن تتتوج التجربة تالياً بإقامة معرض مشترك بينهما (حداد، العزاوي) في العام .1996
وفي العام 1999 انتهى الروائي أمين صالح من مسرحة النص، وقام بإصدار المسرحية في كتاب العام الماضي 2006 ضمن منشورات مسرح أوال، وذلك تحت اسم ‘’أخبار المجنون’’.
وفي العام 2005 تصدى الزميل المخرج خالد الرويعي لإخراج المسرحية، وتم تقديمها تحت الاسم نفسه على صالة أم الحصم في عمل أهلي مشترك ظهر فيه قاسم حداد راوياً خلف الكواليس، كما لحن الفنان خالد الشيخ بعض النصوص للمسرحية بمرافقة العازف محمد حداد في الموسيقى.

الوقت

****

خريف الثقافة البحريني

احمد بزون
(لبنان)

في لبنان يختلف السنة والشيعة، أما في البحرين فيتفقان ضد «مجنون ليلى»، ضد حرية التعبير، بل ضد «ربيع الثقافة». حيث إن قرار مجلس النواب البحريني، بأصولييه السنة والشيعة الذي دعا الى التحقيق في العرض الافتتاحي «مجنون ليلى» لمهرجان «ربيع الثقافة»، (الذي اتخذ من نصوص الشاعر البحريني قاسم حداد وألحان الفنان مرسيل خليفة مادة لعرض فني اجتمع فيه الغناء والموسيقى والشعر والرقص التعبيري)، اعتبر أن العرض يخرج على الآداب العامة ويدعو الى الغواية باسم الحب، ويثير الغرائز ويشجع على الفاحشة.

مشهد يتكرر في البحرين ولبنان والكثير من البلدان التي بات صوت الأصوليين الإسلاميين مسموعآً فيها، ما يؤدي بالفعل الى كارثة ثقافية تنقلنا الى مجتمعات مقفلة متعصبة وحجرية، كما كانت في دولة طالبان بأفغانستان سابقاً، تصل فيها الأمور الى منع البنات من الذهاب الى المدارس.
نعرف أن الإسلاميين سنة وشيعة مختلفون في درجة انتمائهم الى الماضي، ودرجة تعاملهم مع الحريات العامة، ودرجة التخلف التي يريدوننا ان نعود إليها، إلا اننا، نحن، الذين نرفض ممارسة السلطة ضد الدين، نرفض بقوة ايضاً ان يتحكم المتدينون برقاب عباد الأرض. فليمارسوا حريتهم ويتركوا الآخرين يمارسون حريتهم ايضا.

الخطورة تكمن في أن هذا التسلط إذا استمر في التمادي، من شأنه ان يلغي حضارات بكاملها، فنوناً بكاملها، وآدابا، واختراعات، وأدمغة ساهمت في تطوير البشرية.

ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها مرسيل خليفة لمثل هذه الاستفزازات، فلا نريد أن نعود الى قضية «سورة يوسف» والتأويلات المرافقة لها، إنما نريد ان نكمل من نقطة إفشال محاكمة خليفة في بيروت، منذ ثلاثة أعوام، ونكمل في قطع الطريق المؤدي الى منع كل بهجة في هذه الحياة بذرائع وتأويلات دينية يريدون فرضها علينا.

بالأمس قام بعض إسلاميي فلسطين بمحاولة شطب جزء من تراث شعبي، واليوم الثلاثاء سوف تتشكل لجنة في البرلمان البحريني لمحاكمة المسؤولين عن «ربيع الثقافة» وربيع الحياة والفرح والفن والحب. فمن يحمي الممانعين للفكر الأصولي في عالمنا العربي والإسلامي، إذا كان الأصوليون يغزون البرلمانات والحكومات، وبعد قليل، ينتهكون حرمات البيوت، ويدخلون غرف نومنا ليحددوا لنا المحرم والمحلل في نشاطنا اليومي، وفي تفكيرنا وفي سرنا وعلننا.
يريدون ان يحاسبونا على إثارة الغرائز، فهل نعدد الغرائز التي يثيرونها هم ليبيحوا ذلك القتل الجماعي في العراق والجزائر وباكستان وسواها من البلدان التي تطول فيها اللحية حتى لتشبه قائمة ثالثة، تساهم في تأكيد ثبات الكائن مكانه الى أن يمر به العصر الحجري مرة اخرى.
إنه خريف الثقافة البحريني، بل خريف المنطقة والأديان والعالم.

السفير- 20 مارس 2007

****

حوار الثقافات

سعيد الحمد

لعل الجغرافيا والتاريخ لعبا دوراً مهماً في التأسيس التلقائي والطبيعي لتلاقح الحضارات وحوار الثقافات في البحرين التي كانت الفنون والثقافات والعادات والتقاليد المختلفة تتعايش فيها بشكل جميل ولافت، وما زالت بقايا مشاهد وشواهد ذلك التعايش وذلك الحوار بين الثقافات في بلادنا محفورة في ذاكرة المجايلين لتلك الفترة الذين يختزنون ذكريات مرحلة بحرينية لم تتعقد ولم تنغلق ولم تتحسس من ثقافات ومن فنون ومن عادات ومن مناسبات الآخر المختلف، بما كان يعكس ذهنية الانفتاح الاجتماعي الذي قام على خلفية مناخ متسامح ومتعدد الثقافات بتعدد الأجناس والأعراق التي كانت تجد مساحات واسعة للتعبير عن ثقافتها وفنونها في المجتمع البحريني آنذاك. وفي الخمسينات وحتى منتصف الستينات، كان المعرض الزراعي والتجاري الذي يُقام سنوياً في حديقة الأندلس بالعاصمة المنامة.. تظاهرة ثقافية وفنية بارزة في ذلك الوقت؛ حيث لم يقتصر المعرض على المشاركة التجارية والزراعية فقط، بل كانت هناك وعلى مدى أيام المعرض، فعاليات ثقافية وتشكيلية وموسيقية تشارك فيها جميع الأطياف والجنسيات المختلفة المقيمة وغير المقيمة في البحرين.. بمعنى من المعاني كان المعرض تظاهرة في حوار الثقافات بغض النظر عن دين وعن تقاليد وأعراف وموروثات تلك الثقافات التي عرضت فنونها وفولكلورها في سنوات المعرض الزراعي والتجاري بين الخمسينات والستينات، وهو ما ساهم في تعزيز ظاهرة تعايش الثقافات وتفاهمها وحوارها في البحرين آنذاك. وعلى الرغم من الانقطاع الذي برز وتجلّى في أكثر من شكل من أشكال الانغلاق الاجتماعي والثقافي العام كأحد أهم مفرزات صحوة الايديولوجيا الأصولية في ظاهرة الاسلام السياسي التي غشيتنا غاشيتها خلال الثلاثين سنة الأخيرة، إلا أن جذور الاستنارة والانفتاح الاجتماعي والثقافي البحريني وامتداداتها تظل احدى أبرز مكونات الشخصية البحرينية بوصفها »شخصية مدنية« منذ تكوينها المعاصر الأول، لذلك فهي ما زالت قادرة على أن تحتفي وتحتضن الثقافات والفنون بكل أنواعها، وأن تفتح لها مساحات واسعة في وجدانها وفي مناخها الاجتماعي، على الرغم من كل محاولات الضغط عليها باتجاه الانغلاق عن ثقافات وفنون الآخر. من هنا يأتي احتفاؤنا بكل تظاهرة تفتح فضاءً بحرينياً لتلاقح الثقافات والحضارات وحوار الفنون.. وهو احتفاء يعبّر عن موقف مبدئي ثابت من مشروع الاستنارة والتنوير الذي نتبناه بقناعات راسخة والذي ندافع عنه وفاءً لتاريخ الاستنارة في البحرين، وهو تاريخ أصيل يفتح على المستقبل برؤى وطروحات تطور الثقافة المدنية البحرينية وتعتبرها رهان المرحلة الحالية، واحدى أهم مهامنا التنويرية والإصلاحية والنهضوية الحقيقية. ولن يثنينا عن الاحتفاء بكل تظاهرة جميلة من تظاهرات تلاقح الحضارات وحوار الثقافات والفنون.. ذلك الدس الذي يسعى اليه ويحترفه أصحاب »ثقافة الوقيعة«. فما نسجّله وما نكتبه هنا كل يوم يأتي تعبيراً عن موقف مبدئي ثابت ومنحاز موضوعياً الى كل شكل من أشكال حوار الثقافات وحوار الفنون وابداعاتها. فالتشكيك والدس وشق القلوب والصدور ليس من أسلوبنا و لا يعنينا ولن يؤثر في موقفنا من كل ما هو مستنير ومن كل ما هو إبداعي جميل.. فلسنا نعاني ازدواجية ولا نعيش انفصاماً في المواقف.. فنحتفي بالثقافة المستنيرة يوماً ثم نماري ونماشي وننافق الظلامية كل يوم.. ولسنا ممن يحترفون الرقص على كل الحبال والمزايدة في كل »بازار«، لا لسنا كذلك.. ولن نكون!!

الايام

أقرأ أيضاً: