عالجت الصحافة المحلية بكتّابها ورؤساء تحريرها كل ما تمخض عن ربيع الثقافة من حوارات واختلافات ورؤى، وبدت الصورة وانعكاساتها ليست واحدة بسبب المرآة والوعي والمجتمع، فلكل مستوى من مستويات الانعكاس درجة مختلفة من تلك العملية المعقدة، مثلما لا يمكن خلط ربيع الثقافة بخريف الثقافة فلكل فصل أوراقه وحرارته المختلفة، خاصة وان ربيع الثقافة يتميز بأوراقه الخضراء بينما خريف الثقافة - إن وجد ذات يوم - فانه يكون بأوراق صفراء فلكل روح وكل فعالية مهرجانها المتميز.
ما كتبه البعض من محاولة اختطاف ربيع الثقافة مجددا لكونه ربيعا ناجحا بكل المقاييس عن العام الفائت، فإنهم يهدفون من تلك الكتابات اختطاف ذلك النجاح بطريقة الاختراق والمحاصصة طالما اكتشفوا أن الجميع تفاعل معه بهذا القدر أو ذاك واجتذب جمهورا يحب الحياة والفرح، وطالما ليس بالإمكان مصادرة ربيع الثقافة فلا بأس بإطلاق الرصاص عليه وقتله أو وأده كما يفعلون في الجاهلية، بهدف أن لا يتكرر هذا المولود كل عام وينمو وينجح من موسم إلى آخر، وبما أن الاختراق والاحتراق والحرق والتدمير ليس ممكنا لأن معنى ذلك محاولة لمصادرة وجه البحرين الثقافي والحضاري، الذي تحاول أن تتميز به في المنطقة، فما الذي ينبغي فعله لكي يتم اختطاف ذلك الربيع بمزجه بخريفكم المكفهر، بخلط الأوراق وفتح ثغرات في جدار الثقافة والنفاذ من كل النوافذ الممكنة، بالمناشدة بحق المحاصصة بهذا الشكل أو ذاك، بطرح مقترحات تبدو للإنسان الطيب والعادي كلاما جميلا وبراقا، بينما هو في حقيقته حقا يراد به باطل؟
حيث لا يمكن خلط الثقافة في ربيعها الأخضر وخلط نضارة الثقافة في ثوبها الخريفي الأصفر، بخلط ثقافتين متنافرتين في فضاء واحد، إذ الفضاء الحر المفتوح يختلف عن الفضاء الضيق والمغلق، كما لا يلتقي أركون مع دعاة لا يزالون ينشدون وينشّدون للماضي بخطابهم، مثلما لا يمكن وضع كات ستيفن "يوسف إسلام" مع غنائية شعر قاسم حداد والموسيقى لمارسيل خليفة بتلك اللوحات الراقصة التعبيرية وهلمَّ جرا من مقارنات تدعو للاندهاش والضحك.
غير اننا نقول إن من حق - طالما نؤمن بالتعددية التي تفهم خطأ - أي جهة من الجهات أن تخلق ربيعها وترتدي ثوبها كما تشاء ولتترك للجمهور حق الذهاب أينما يرغب، ومن حق القطاع الخاص والدولة أن يختارا في كل موسم ومناسبة فاعليتهما المتميزة ولكن دون خلط بين المدارس الفنية والفقهية، ولا خلط عناصر قد تشوه اللوحة بكل تناسقها وانسجامها تحت حجج واهية تخفي حقيقة الاختطاف والمحاصصة حتى في ربيع الثقافة.
بينما لم يطلب احد من الجماعات الدينية بالمحاصصة البرلمانية ولا غيرها وهم الذين هيمنوا على الأخضر واليابس ويريدون مجددا المحاصصة في مشروع ثقافي له خصوصيته الثقافية والحضارية، فلا يمكن خلق مؤسسة ليبرالية لها توجهاتها بمؤسسة إسلامية لها تشريعها ونزعتها ومواقفها، فلماذا دعاة المحاصصة لا يفتحون لهم مهرجانا سنويا في شهر رمضان الفضيل؟ ويغنوا نشيد طلع البدر علينا بعزف وتوزيع اوركسترالي وغناء متطور اوبرالي، ويحاضروا كيفما شاءوا وإذا ما جاء عيد رمضان والاضحى أو ليكن أي موسم يحبون أن يخلقوا مهرجانهم الثقافي ويعلّموا الناس النشيد والثقافة الإسلامية، وإذا ما كان هناك رقص محتشم فذلك سوف يسر الجمهور الراغب بالدفع والمشاركة في تطوير القطاع الخاص وتلك الجمعيات والبنوك الإسلامية التي لا مانع من مساهمتها الخيرة في الثقافة.
من حق الجميع أن يفتحوا في قاعات الفن التشكيلي لوحات إسلامية وفن التصوير والنحت الإسلامي، ويدعوا ما يحلو لهم من الفرق. فليست فرق القوالي "الكوالي" فرقة اسلامية فهناك دون شك فرق تراثية وفولكلورية جميلة، المهم أن يكون الجمهور حكما ومستعدا أن يدفع من جيبه أسعار التذاكر الباهظة أو الرخيصة. فحسب علمنا أن الجمهور الذي اعتاد انتظار الحقيبة المدرسية والبطانية الشتائية ليس على استعداد للذهاب لقاعات مكلفة، ولكن من يمنع البنوك والجمعيات الإسلامية من التكفل بمصاريف كات ستيفن وغيره وتغطية مصاريف ضيوفها على نفقتها الخاصة، وفتح الأبواب مجانا لجمهورها الخاص واجتذاب من يريدون في أحضانهم؟
أما المحاصصة الثقافية بين مدرستين بحجج مخادعة يبدو أنها أمر ثعباني كما هو عسل الاغتيالات في عهد الخلفاء الراشدين وما بعده من خناجر مسمومة. وإذا كانت الدولة والقطاع الخاص مستعدين أن يخلقوا "ربيعهم الثقافي!" فلماذا العبث بالنجاحات والهجوم الشرس والمقايضة بالسياحة على حساب تمرير الثقافة وإعلان حرب بوجهين في خطاب مزدوج لبعض النواب، والتعامل مع الثقافة والسياحة بمنظار الأبشع والأخطر والأقل ضررا؟
إنها والله أوراق تعبث بها الأفكار المضللة في لبسها ولبوسها المتدين والأخلاقية تحت حجج المحاصصة الثقافية، بينما لم يصدر بيان في السابق يحتج على تحطيم تمثال باميان في أفغانستان وهو الذي كان تراثا عظيما للإنسانية وضمن مظلة اليونسكو ومسؤوليته في الحفاظ على تلك الروعة التاريخية كفن من فنون النحت القديم جدا، لم تحركوا ساكنا ولم يهمكم حتى كتابة مقال في ذلك. فسلفتكم التجارية للثقافة كما يلي: طالما مشروعكم ناجح في الثقافة فنحن مضطرون لمهادنتها، فعلى الأقل شاركونا في مناصفتها بدلا من سحب الجمهور إلى "ربيع الضلال" "ربيع السخافة" كما أطلقتم عليه في البدء مصطلحكم بعدوانية لا تصدق.
التعددية الثقافية ليس بمزجها في لوحة متنافرة ضمن لعبتكم، التعددية السياسية ليس بمصاهرة أحزاب وجمعيات متنافرة في كيان واحد لها من الاختلاف في المواقف والمبادئ الجوهرية وغيرها، كما أن التعددية الثقافية هو أن ينسج ويخلق كل تيار برامجه منفردا، غير أن لكل مشروع ثقافي برنامجه وتوجهاته، وإذا ما رأت وزارة الإعلام ودائرة الثقافة ذات يوم أن لديكم مشروعا مشتركا مقنعا فسوف تقول أهلا وسهلا بالمساهمة، ولا بأس ذات يوم لدعوتكم في معرض عام للفنون والنحت، فشاركوا بما تريدون ولكن عندما يقال إن هناك معرضا للنحت هل لديكم استعداد لذلك؟ أم أن عقلية الأوثان لا تزال تسكن تلك الصنمية الفكرية التي لم تتزحزح من أُخطبوط الماضي، وكأنما الفن ما يحلو لكم فهمه والثقافة حالة انتقائية كما تريدون.
الايام
عجيب أمر الديمقراطية العربية أو بالأحرى بعض أشكال ممارساتها في بعض بلداننا. يبدو أنها حمالة أوجه إلى درجة أنها تستخدم ضد جذور فلسفتها من دون إنذار سابق، كما تغير الحية جلدها، ففي الوقت الذي تُدرس أشعار الشاعر البحريني قاسم حداد في مدارس البحرين، تقوم الدنيا في مجلس منتخب هو البرلمان على مسرحية "مجنون ليلى" التي هي من أشعاره. اعتبرها البعض خارجة عن "القيم" التي يريدونها، وكأن الشاعر أو الفنان المبدع يجب أن تكون لديه مسطرة ما من أجل أن يقيس بها ما يكتب ويبدع لإرضاء البعض!
الضجة القائمة في البحرين ضجة لا تعني أهلها فقط، بل تعني كل مهتم بكلا الجانبين، التطور الديمقراطي من جانب وتعاطي الثقافة من جانب آخر. ومن نافلة القول إن الصحيح هو أن تقود الثقافة الديمقراطية وتتيح الديمقراطيات حريات أكبر للإبداع الثقافي، فالحد الأدنى للديمقراطية هو عمارة البلاد إلا أن ما يحدث في البحرين - على سبيل المثال - هذه الأيام هو أمر يخيف المبدعين، ويرعب المطالبين بالحريات والديمقراطية في آن واحد، هو عمل يقمع الإبداع على عكس ما يتوقع العقلاء من الديمقراطية.
"ربيع الثقافة" في البحرين هو برنامج ثقافي من أفضل برامج الثقافة العربية، متنوع وغني وله رسالة في رفع الذوق العام وتنشيط الحياة الثقافية، وأصبح قبلة لمن يريد أن يستمتع بفن حديث تجتمع فيه الموسيقى بالشعر بالمسرح وبقية الفنون ليضفي على ربيع البحرين المعتدل اعتدالا في التعاطي الثقافي متحضراً ورفيع المستوى كما انه برنامج معتمد في غالبية نشاطاته على تمويل ذاتي.
حضرت شخصيا فرقة كراكلا اللبنانية قبل أسبوعين، وكان الجمهور الذي شاهد العرض ليلتها يقرب في العدد من الألفي شخص رجالاً ونساءً، شباباً وكباراً من كل الجنسيات في موقع تراثي تاريخي جميل. شاهد الجمهور واستمتع في إطار من الاحترام الكامل، ولما خرجت من اللقاء الثقافي الدافئ شاهدت كثيرين أتوا البحرين من المناطق الخليجية القريبة للاستمتاع بهذه الفنون الجميلة. وبعد أيام ثارت الضجة على برنامج آخر عرض في الموسم الجميل نفسه، وكأن البحرين لم تطرب لأشعار بن لعبون، ذلك المبدع السابق لعصره، قبل أكثر من قرن، أو موسيقى محمد بن فارس، أو لم تقرأ كتابات عبدالله الزايد قبل أكثر من نصف قرن. كلمات قاسم حداد أصبحت "منكراً".
في البحرين قضايا سياسية ملحة كان حريا بأعضاء البرلمان الذي انتخبه الشعب أن يلتفت إليها ويقدمها أولويةً قصوى في عمله النيابي، على رأسها الحفاظ على انسجام النسيج الاجتماعي ثم هناك القضايا الاقتصادية، وهناك إتاحة فرص العمل، وهناك برامج التعليم وهناك التنمية بأشكالها المختلفة، ويمكن أن ترصد خمسين قضية على الأقل ملحة ولها أولوية لدى الناس قبل الوصول إلى (الحفاظ على الأخلاق العامة) التي ادعى البعض انه يريد صيانتها، وكأن ما حدث في عرض ثقافي مميز هو "خرق فاضح" لأخلاق المجتمع. إنها البحث عن الشعبوية ربما، ونسي البعض أو ربما لم يسمعوا عن قول ونستون تشرشل لشعبه: "ليس لدي إلا الدم والدموع"، في إشارة إلى قول الحق للعامة لا تزلفهم وإثارة مكامن العواطف الجياشة لديهم، بادعاء خرق الثابت من الأخلاق.
بعض الذين يقدمون أنفسهم للعمل الديمقراطي في بلادنا يسرهم أن يسايروا العامة في اختلاق قضايا بعيدة عن أية قضية حقيقية للتنمية كي يركبوا موجة الدفاع عن "قيم المجتمع" وكأن هذا المجتمع لا سمح الله "بلا أخلاق" أو أن الشعب قد انتخبهم فقط للحفاظ على "الأخلاق الحميدة" من وجهة نظرهم، لا للحصول على خدمات أفضل وبرامج تعليم حديثة، وفرص عمل منتجة ومتابعة الفسادين الإداري والمالي، إلى آخر ما يجب أن يقوم به أعضاء المجالس المنتخبة في مجتمعاتنا من أعمال تعود على المجتمع بفائدة.
حقيقة الأمر أن تلك الضجة التي أدت بوسائل الإعلام العربية والعالمية إلى متابعتها تفرض السؤال الرئيسي وهو: هل شعوبنا غير قادرة على استخدام آليات الديمقراطية لتقدمها؟ وهل هذه الآليات كما يحدث في مناطق أخرى، هي في النهاية تستخدم بكفاءة لعرقلة خطوات المجتمع في مسيرة التنمية الحقيقية؟ وهل يعرف هؤلاء أن "الأخلاق" نسبية ومتغيرة مع الزمن وشخصية أيضا؟ بدليل انه في زمن ليس ببعيد كان من "غير اللائق أخلاقا" أن تخرج المرأة للعمل حتى يسمع صوتها خارج منزلها، وليس من الأخلاق الحميدة أن ينقد الرعية الراعي، وليس من المشروع أن يخالف الابن المتعلم الأب الجاهل! وليس من الأعراف أن تقود المرأة الرجل! فالأخلاق عملية صيرورة اجتماعية متغيرة، يبصرها العاقل إن أراد بوضوح من دون أن يفرض نوعا متجمدا منها على الآخرين، ففي الزمن الاجتماعي هناك تغير حتمي في القيم والأعراف، وفرض قيم ثابتة هو أولا تعطيل لدور المواطن السياسي مواطناً ناقداً واختزاله في "ديمقراطية الأغنام والتبع". كما أن الانتساب في السياسة هو انتساب إلى الدائرة المدنية التي تقدس الاختلاف، وليس الدائرة القيمية التي تعشق الانصهار تمهيدا لقيادة الجمهور إلى "الصالح" ربما قليلا وكثيرا إلى الطالح. فوحدة الوطن ليست وحدة "الطاعة"، بل وحدة الاختلاف.
المراد من الضجة كما يبدو قتل المشروع الثقافي الذي أصبح يسهل لقطاعات كبيرة من الناس أن تعي ما حولها وتسأل عما يجري، وتقضي وقتاً ترفيهياً مسالماً وتسليةً إيجابيةً. ومن الملاحظ أن تكون القيادة السياسية في البحرين أكثر قدرة على تقديم مشروع حضاري حديث مساير لتطلعات المجتمع ممن أراد أن ينصب نفسه خطأ كونه المرجعية الوحيدة للناس. لقد اختار النواب المتشددون مجالاً لا يوافقهم الكثيرون عليه وقرأوا تطلعات المجتمع بعكس ما ترجوه وتطالب به، فشكلوا تلك اللجنة التي إن هي سارت في طريق حجر الحريات على الآخرين، فهي تخالف في الصميم ما يفترض أن تدافع عنه، وإن حجرت على الآخرين شيئاً ما في القول، فلن تجد من يدافع عنها عندما يقع الحجر عليها!
الوسط 27 مارس 2007
*****
"ارفعوا أيديكم عن حناجرنا"، نداء رأى كل من الفنان اللبناني مارسيل خليفة والشاعر البحريني قاسم حداد ان يختتما به بيانهما رداً على تشكيل مجلس النواب البحريني لجنة للتحقيق في مهرجان ربيع الثقافة خصوصاً في مشاهد تضمنها عرض "مجنون ليلى" الذي كتبه حداد ولحنه خليفة. احد المتابعين للقضية قال: ان هذا النداء لعله ليس جديداً في مضمونه في العالم العربي وقد شهد طوال مسيرة حراكه الثقافي والفني هذا التشابك مع آراء تستند الى عقلية تجد نفسها ناطقة باسم التقاليد والعادات والقيم والاخلاق وهذا ما يدفعها لأن تقف في وجه كل من يخرج عن ذلك باعتبارها الحامية للمجتمع. واذا كانت هذه الصورة تماثل الى حد بعيد الواقع، فإن النداء الذي أطلق لن يجد صدى مؤثراً عند المعنيين بالامر ويمكن طرح الاشكالية بشكل اكثر عمقاً وتأثيراً: ما العمل امام مسارين يستندان الى عقليتين مختلفتين كلياً كل منهما ينظر الى العمل الإبداعي من منطلق يرى فيه صوابية توجهه؟
وكان مارسيل وحداد قالا في بيانهما ان محاولة بعض النواب البحرينيين مقصودة ومنظمة. واضافا: لم يخطر ببالنا ان ما نقدمه من عرض نظيف وبريء ومتجرد من النوايا السيئة سيتم تأويله بخلاف ما هو مقصود وسيرى فيه "البعض" عملاً فاحشاً ومعيباً وخروجاً على الأخلاق العامة. واعتبرا ان محاولة النواب دفاع عقيم ومشكوك فيه، مشيرين الى انها دعوة صريحة ومباشرة الى الانغلاق ومصادرة حق الآخر في التعبير لإنكار تعددية الأصوات.
وقد شكل مجلس النواب البحريني الثلاثاء الماضي بغالبية كبيرة لجنة للتحقيق في ما اعتبر خروجاً عن الشريعة ولقطات تثير الغرائز وتشجع على ارتكاب الفاحشة كما جاء عن المجلس في عرض "مجنون ليلى" المستوحى من كتاب حداد وضمت اللجنة 7 نواب.
عكاظ-
في نفس الليلة التي كان فيها النائب عادل المعاودة يشتكي في قناة الجزيرة ويقول "حجبت عنا الصحافة"، كانت جريدة "الأيام" تفرد صفحة بكاملها ومن أولها الى آخرها لحوار ومقابلة مع النائب المعاودة، عرض فيها أفكاره وأجندة كتلته، ودافع فيها عن مواقفه، وطرح مرئياته في أوسع مساحة صحفية.. فكيف "حجبت" عنكم الصحافة يا شيخ وأنت بالذات وطوال أربع سنوات من عمر المجلس السابق كنت "نجم" الصحافة المحلية، سواء في تصريحاتك، أو في أخبارك، أو في عرض مداخلاتك، ناهيك عن تغطية الصحافة لحملاتك الانتخابية الأخيرة؟! دعنا يا شيخ عادل نستعير تعبيرك في الجلسة الأخيرة ونقول لك "قليلاً من الإنصاف" مع الصحافة، خصوصاً وأنك يا شيخ صديق لكل الصحفيين والمحررين، وعلاقاتك معهم لها خصوصيتها.. فلماذا تظلمهم معك؟ مجرد سؤال. ولأن السؤال يجرّ السؤال.. ولأن التفكير العلمي الصحيح الذي لا شك أنك تستنكره وترفضه قد علّمنا يا شيخ أن السؤال هو وقود العقل وهو الذي يفتح آفاق التفكير الحر المستقل بعيداً عن التلقين.. ولأن السؤال بهذه الأهمية في تقديرنا، نسألك.. كيف تطلب من قناة الجزيرة وأنت نائب بحريني ولن نقول "نائباً عن الشعب، لأن لدينا تحفظاً منطقياً على هذه العبارة التي نراكم هذه الأيام أكثرتم من استخدامها وترديدها"، نسألك يا شيخ لماذا الجزيرة بالذات هي التي تجري استفتاءً في البحرين حول قضية خلافية محلية نحن البحرينيين أقدر وأجدر بحلها وفق ما نراه لا ما تراه الجزيرة.. ثم هل سألت الشعب يا "نائب الشعب" اذا كان يوافق على أن تأتي الجزيرة وتجري هذا الاستفتاء حول وضع ومستقبل الثقافة البحرينية؟؟ هل هذا يجوز يا شيخ عادل.. وبرغم اعتراضنا على مبدأ الاستفتاء حول الثقافة وحول الإبداع وحول الفكر لأنكم هنا ستصادرون التعددية والتنوع والاختلاف، وهي أهم مقومات وأهم شروط الثقافة والفكر والابداع.. نقول رغم اعتراضنا على الاستفتاء إلا أننا نسألك يا شيخ عادل هل خلت البحرين تماماً من المراكز والأجهزة القادرة على اجراء مثل هذا الاستفتاء الذي دعوت أنت الجزيرة لإجرائه؟ أم أنت يا شيخ قد فقدت الثقة في كل ما هو بحريني.. فخرجت على هواء الجزيرة ودعوتها مباشرة لاجراء استفتاء في البحرين؟.. مجرد سؤال لأننا نريد الفهم قبل الحكم. والشيخ عادل في معرض توصيفه الغاضب لموقف الصحافة وموقف قوى المجتمع المدني من محاكمة الأسلامويين للثقافة، قال للجزيرة "هو ارهاب للحرية في البحرين، وارهاب للديمقراطية في البحرين"، ونريد أن نسأله بصراحة من يرهب من يا شيخ؟! عودوا الى ما قلتموه.. من قال "خريف السخافة"، ومن قال للجزيرة "أجلكم الله" عن العرض، ومن قال "دعارة وانحلال ومجون وممارسات لا أخلاقية"، ومن قال "تفاهات"، ومن قال "زبالة"، ثم من طالب وزارة الاعلام ب "محاسبة ومعاقبة الصحافة".. إذن من يرهب الحرية، ومن يرهب الديمقراطية، الذي يستخدم منطق "الزبالة والسخافة والدعارة والانحلال" ويحرض وزارة الاعلام ضد حرية الصحافة ويطالب بمعاقبتها ومحاسبتها، أم الذين لا يملكون سوى أقلامهم ولا يملكون سلطة تشكيل لجان محاكم التفتيش؟؟ مجرد سؤال حتى لا تنقلب الأمور وتختل المقاييس فيصبح المدافع عن الحرية والديمقراطية متهماً بالارهاب.. وهي "نكتة" أضحكتنا كثيراً.. "وكم في زماننا هذا من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء".. وعذراً أيها المتنبي فمن يدري ربما يتهمونك بالارهاب لأننا استشهدنا هنا بشيء من شعرك بما يعني لديهم أنك متواطئ معنا منذ ألف عام.. ألم نقل إنها "نكتة"، وأوجع النكات عندما تتحول الى تهمة بأننا "نرهب الحرية ونرهب الديمقراطية"!
الايام- 28 مارس 2007
ما تزال الأوساط الثقافية والسياسية والفنية في البحرين مشغولة بالضجة التي أثيرت حول عرض أخبار مجنون ليلي الذي قدمه مطلع شهر آذار (مارس) الجاري الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة في حفل افتتاح مهرجان ربيع الثقافة ، وهو العرض المستوحي من عمل وضعه الشاعر البحريني قاسم حداد عام 1996 بمشاركة الفنان التشكيلي العراقي ضياء العزاوي يحمل اسم مجنون ليلي .
وقد أثيرت الضجة بادئ ذي بدء عندما أطلق النائب في البرلمان البحريني عن كتلة المنبر الوطني الإسلامي، وهي إحدي الواجهات التي تعمل من خلالها جماعة الإخوان المسلمين في البحرين، محمد خالد نيران نقده علي هذا العرض الموسيقي والمسرحي الراقص معتبرا أنه يحتوي علي إيحاءات جنسية . واكتسب الجدل المثار حول العرض زخما جديدا مع تصويت البرلمان البحريني في 19 آذار (مارس) لصالح اقتراح من كتلة الأصالة، التي ينضوي في إطارها النواب السلفيون في البحرين، بتشكيل لجنة تحقيق حول المهرجان. وما بين المعترضين علي تقديم عرض مجنون ليلي والمدافعين عنه، يحفل المشهد البحريني باتهامات متبادلة يتراشق بها الطرفان. فالمعترضون اعتبروا أن بعض اللقطات الاستعراضية الراقصة التي رافقت الوصلة الموسيقية في العرض تثير الغرائز وتشجع علي ارتكاب الفاحشة ، علي حد تعبير رجل الدين البحريني الشيخ علي مطر في خطبة جمعة ألقاها مؤخرا، بينما طالب النائب خالد بأن يشمل المهرجان اختيارات تراعي التقاليد الإسلامية والاقتداء بما يقدم في بلدان مجاورة بدلا من اختيار فعاليات ذات نزعة غربية . أما المدافعون عن العرض فقد اعتبروا أن الضجة المثارة ترقي إلي خنق مناخ الحريات والإبداع في البحرين ، علي حد ما ورد في بيان صادر عن نحو 50 جمعية ثقافية وأهلية وسياسية في البحرين، من بينها 12 جمعية نسائية منضوية في إطار الاتحاد النسائي البحريني. وأعرب البيان عن خيبة الأمل لما آلت إليه الأوضاع في البحرين من هيمنة للفكر الأحادي والتوجهات الإقصائية الرافضة للآراء الأخري والتشهير بأصحابها والتشكيك فيهم .
من حيث المبدأ، لا يمكن للمرء أن يجادل في الدعوة إلي أهمية الحفاظ علي منظومة القيم الأخلاقية أو الحرص علي التقاليد الإسلامية والعربية. فهذه القيم والتقاليد تشكل في المحصلة النهائية مكونا رئيسيا من مكونات الهوية التي تقوم عليها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي الهوية ذاتها التي تشكل مرجعية حضارية وتاريخية تجعل من كل فرد منا يشعر أنه جزء لا يتجزأ من جماعة لها حضارة وتاريخ جديران بالاعتزاز. ولكن لا يمكن للمرء أيضا إلا أن ينظر بعين الريبة والشك إلي الحملة الشعواء التي يتصدرها الإخوان والسلفيون في البحرين ضد مهرجان ربيع الثقافة .
فلقد سبق لهم أن قادوا إبان فترة ولاية البرلمان السابق حملة شعواء مشابهة ضد دورة العام الماضي للمهرجان ما يوحي بأن لديهم موقفا سلبيا ورافضا من المهرجان أصلا وبالتالي فإنهم كانوا يضمرون نية مسبقة ومبيتة هذا العام لتصيد ما يمكن استخدامه من أعمال تقدم في المهرجان للتشهير به ومحاولة عرقلته إن لم يكن توجيه ضربة قاضية له. ومن حيث المبدأ أيضا، لا يمكن للمرء أمام هذا المشهد الذي يضج بأشكال من الجدل الحاد والتراشق بالاتهامات إلا أن يقف مرة أخري أمام ثنائية الثقافة والسلطة في تاريخنا العربي، قديمه وحديثه، مستحضرا صورا من ظلامية تسودها قرارات المنع والحظر والحرق في حق الكتب والكتابة والمفكرين والمبدعين، وتستلهم من محاكم التفتيش ألوانا شتي من القمع وحجب الفكر وتغييب الرأي الآخر ومصادرة الإبداع، وتسعي إلي تصفية حسابات مع الآخر-المختلف هي في أصلها وجوهرها ونسخها حسابات سياسية وإن تلبست بلبوس الدين وأشهرت سيوف الفتوي وحملت لواء الأخلاق الفاضلة. تلك هي العيوب العقلية والنفسية ذاتها التي تأسست علي ماض أليم يعج بشتي أنواع التهم بالتكفير وفساد الاعتقاد والزندقة والإباحية بغية اغتيال الإبداع والفكر الجديد والاختلاف، والتي شيدت في تاريخنا المعاصر صروحا إيديولوجية قمعية ونصبت في مجتمعاتنا العربية أسيجة الأحادية في التفكير وأرست أعمدة النرجسية الفكرية في مراكز السلطة ومنابع القرار السياسي لتبيح لنفسها بالتالي أن تخوّن الاختلاف وتجرد مقصات الرقابة أو تلقي ما يكفي من الذعر في الأوساط الفنية والثقافية لفرض الرقابة الذاتية. ولا يخلو الأمر من مفارقة صارخة تتجلي في أن ينبري برلمانيون في البحرين إلي الاعتراض علي عمل فني بحجة الدفاع عن ثوابت أخلاقية وإسلامية، في حين أن البلاد تنتشر فيها المراقص والكازينوهات والكباريهات. ثمة ازدواجية مقيتة في المعايير تتبدي في المشهد الراهن الذي يطفق فيه برلمانيون يمثلون الشعب إلي رفع لواء الفضيلة لمحاسبة أهل الفن والإبداع والثقافة بذريعة تقديم أعمال تخدش الحياء في بلد يبيح تجارة الخمور وتمتلئ فيه الفنادق والشقق المفروشة وعلب الليل ببائعات الهوي وبنات الليل. مشكلة بعض البرلمانيين في البحرين هي أنهم يعتقدون أن نصرهم الانتخابي يجيز لهم أن يفرضوا رؤيتهم للثقافة ومكوناتها علي الشعب بأكمله. هذا مع ملاحظة أن نصف أعضاء البرلمان البحريني ذي المجلسين فقط ينتخبون عن طريق الاقتراع في عملية انتخابية عرجاء في حين أن النصف الآخر يعين من قبل ملك البلاد مما يثير ظلالا قاتمة من الشك علي الصفة التمثيلية للبرلمان وأعضائه المنتخبين جملة وتفصلا. وقديما قيل من يعش رجبا ير عجبا . والعجب العجاب هنا أن يقوم برلمانيون، يفترض أنهم مؤتمنون علي الحريات العامة، بالتضييق علي حركة الإبداع الفني التي تعتبر من أبجديات الحرية وشروطها الضرورية. كان الحري ببرلمانيي البحرين أن يبدوا قدرا مماثلا من الاهتمام بمعالجة القضايا المصيرية التي تؤثر علي حياة الناس، مثل قضايا البطالة والفساد الإداري المستشري في أجهزة الدولة ومؤسساتها وأزمة السكن والتجنيس العشوائي الذي ينذر بتغيير التركيبة الديموغرافية في البلاد، وهو ما يهدد بالتالي بزعزعة الوحدة الوطنية في البلاد ويغلق آفاق العيش المشترك بين أبناء البحرين بشتي انتماءاتهم الطائفية والدينية.
أن يخضع أي عمل فني لمشرحة النقد ومباضع النقاد أمر لا غبار عليه. فلقد كان من الممكن جدا أن يحاكم العمل الذي قدمه الفنان الملتزم مارسيل خليفة من حيث نجاحه في تحويل النص الشعري إلي عمل مسرحي ترفده عناصر إبداعية فنية وموسيقية مختلفة تخاطب حاستي السمع والبصر لدي المتلقي. ولكنني لست أدري كيف يجيز أي طرف سياسي في البحرين، سواء كان له ممثلون في السلطة التشريعية أم كان خارجها، لنفسه أن يدعي احتكار المعايير الأخلاقية التي تصنف الأعمال الفنية أو الثقافية بأنها مقبولة أم غير مقبولة. فذلك يؤسس لعلاقة غير سوية بين البرلمان والقاعدة الشعبية تقوم علي مبادئ الاحتواء والإقصاء، ويؤدي في النهاية إلي تشويه عملية الإبداع الفني والثقافي في البلاد. فالعملية الإبداعية لا تزدهر إلا عندما تنفتح خيارات الوعي الفني والجمالي والمعرفي علي فضاء لا بل فضاءات من الحرية ما يتيح طرح الأسئلة والمساءلة والكشف وحتي الشك. وهي إن وضعت في أسار التدجين تحت أي ذريعة من الذرائع أو صودرت لحساب أي تصورات إيديولوجية فلن يؤول مصيرها إلا إلي اجترار المألوف وبالتالي التراجع والتخلف. وتطل علينا من خلال الجدل المحتدم في البحرين حول مهرجان ربيع الثقافة أشباح عقلية الثقافة الرسمية حيث تحتكر السلطة أو بعض أهلها وأربابها منافذ الإنتاج الفني أو الأدبي ما يجعل المثقف أو المبدع الفني موظفا لدي الحكومة أو مؤسساتها الثقافية ، أو تختزل العملية الإبداعية بالدولة أو من يختزل نفسه بها عبر سلطة الرقيب، لتنتج خرابا تدفع ضريبته أجيال من المثقفين والمبدعين الباحثين عن ضفاف آمنة للإبداع الثقافي في المنافي.
جميل أن تتطلع العملية الإبداعية إلي ما يزخر به التراث من أعمال صاغت الوجدان الشعبي علي مر القرون، من قبيل قصة مجنون ليلي . ولكن شد الرحال إلي التراث لا يعني بأي حال من الأحوال اجتراره. فمن مهام الثقافة والفن في كل عصر وأوان، إعادة انتاج التراث برؤية عصرية منفتحة ومرنة تسمح بتوظيف فنون وأدوات تعبيرية وتقنية مختلفة. وهذا ما تجلي في العمل الذي قدمه خليفة من خلال تقديمه للقصة في إطار فني متكامل جمع ما بين الأداء الشعري والغناء والرقص التعبيري والموسيقي والإضاءة. وهو في ذلك كله حاول أن يحافظ علي ما تحفل به القصة من احتفاء بالحب والجسد ، علي حد تعبيره. وقصة مجنون ليلي ليست نسيج وحدها في التراث العربي من حيث الاحتفاء بالحب أو الجسد أو إطلاق العنان للرغبات والأهواء والنزوات. ثمة الكثير من الأعمال التراثية، وبعضها من أمهات كتب التراث مثل ألف ليلة وليلة أو طوق الحمامة في الألفة والآلاف للفقيه الأندلسي ابن حزم الظاهري، التي تزخر بمشاهد من هذا القبيل أو تتحدث عن الجنس والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة أو حتي عن الشذوذ الجنسي. ومن يراجع كتب الفقه، مثل الموطأ للإمام مالك بن أنس، أو زاد المعاد لإبن القيم الجوزية، أو إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، وحتي كتب الحديث المعتبرة، كالصحاح، فإنه يجد فيها الكثير مما يشير إلي تنظيم عملية المعاشرة الجنسية بين الرجل وزوجته، وبتفاصيلها الدقيقة أحيانا. ولم نسمع أبدا من يعترض علي ما تحويه كتب الفقه والسيرة من إشارات وفتاوي وروايات مفعمة بالحديث عن الجنس، تلميحا وتصريحا، وذلك من باب أن لا حياء في الدين .
ولا يسعني في الختام إلا أن أتساءل عما سيبقي من هذه الكتب التراثية لو طبقت عليها معايير خدش الحياء التي يحاول بعض برلمانيي البحرين تجريدها سيوفا تعمل طعنا وتمزيقا في مهرجان ربيع الثقافة . وأرفد التساؤل بالأمل في أن يكون موعدنا المقبل مع دورة العام القادم لمهرجان ربيع الثقافة موعدا آخر مع فصل ربيعي تزهر فيه براعم الإبداع وليس موعدا مع غيوم خريفية تلبد آفاق الحرية.
- كاتبة من ليبيا
suaadone@yahoo.co.uk
القدس العربي- 28/03/2007
هاهو بلد صغير جميل يدفعه بعض أبنائه، وبحسن نية ربما، إلى سجالات حادة مولدة لتوترات لن تخدم أحدا من مواطنيه ومحبيه .
والسبب هو ذاته مصدر المفارقة المحزنة حقا : فعل ثقافي يلبي بعض حاجات الانسان في العصر الحديث يحوله ممثلوا القوى المحافظة إلى رهان لكسب المزيد من المواقع والمصالح . ومما يجعل المفارقة مغامرة خطرة أمران . أولهما أن القضية تفتعل وتستثمر باسم " المقدس " الذي يجله الناس في كل زمان ومكان !.
والثاني أن تناقش في مؤسسة رسمية بدعوى الدفاع عن مصلحة الشعب وعن هوية الدولة والأمة !
وحينما نتذكر أن مجالس الشورى والأمة في بلدان الجوار تناقش هي أيضا خطورة معارض الكتب وقراءة المرأة لنشرة الأخبار واختلاط النساء بالرجال في أسواق المدينة وطرقاتها، بل وعلى حقها في التصويت في الانتخابات ..فلنا أن نصيح بصوت واحد : عاشت الديمقراطية الخليجية .. عاش ممثلوا الشعب وحراس مصالحه العليا !. فليس مما يليق بديمقراطيتنا التي تولد فريدة من نوعها أن تدافع عن حقوق الإنسان الفرد ، أو عن حقوق المرأة ، أو عن حقوق أقلية ما، فضلا عن حقوق المبدعين والمفكرين والباحثين "العلمانيين". لا يليق بها شيء من هذا لأنها ديمقراطية شمولية مثلى يبتكرها أناس بريئون تماما من الجاهليات القبيلة والمذهبية، ويريدون التأسيس لفكر سياسي جديد صالح ل "لبشرية جمعاء" في كل زمان ومكان (تماما مثل تلك الديمقراطية الجماهيرية الاشتراكية في ليبيا العظمى ).
طبعا من حق أي أحد أن يكره الفكر والشعر والموسيقى والغناء والرقص والنحت والرسم والمسرح والسينما وصوت المرأة ووجوه البشر الذين يختلفون عنه عرقا أودينا أو مذهبا. لكن هذا بالضبط هو ما تبقى لآخرين يتوهمون ويصدقون أنهم كائنات جمالية عاقلة ناطقة وأن من تمام حقهم أن يقرأوا الكتب ويتذوقوا الفنون، وكذلك الأطعمة والأشربة كلها، دون وصاية أو ولاية من أحد عليهم. وهم هكذا لأنهم تورطوا في فهم خاطيء للديمقراطية التي هي عندهم ثمرة سياسية لقرون من العمل والتضحيات في سبيل التأسيس لحريات التفكر والتخيل والتعبير والسلوك !.
ونظرا لكوننا منهم ومعهم فإن هذا ما نصر عليه ولو كره المتزمتون، وسواء كانوا من وعاظ المساجد والمجالس، أو من ممثلي قبائلهم ومذاهبهم في مؤسسة رسمية ما. نعم، حقوق الإنسان الجمالية لا تنفصل عن بقية حقوقه. وبسيط ما نمتلكه ونمارسه منها يغرينا بطلب المزيد. فنحن لا نحسن الحياة من دون الفكر والفن، ولا نقبل بالتفريط فيهما وهما أقوى ما يصلنا بآخرين مثلنا في عالم مفتوح يتعولم كل يوم وضمن منطق تاريخي يمضي بمن يسير معه لا بمن يقف ضده. كان يكفي إذن أن يعبر كل أحد عن رأيه ويتمسك به. فمنطق الحياة في بداية القرن الواحد والعشرين لم يعد يبيح لطرف فرض رأيه ورؤيته على آخرين يختلفون عنه في رؤية العالم والكون والإنسان، وليس في التفاصيل الصغيرة فحسب. وهذه الديمقراطية التي لا تحمي حقوق الفرد ضد تسلط الأسرة والجماعة القبلية أو المذهبية والدولة تفقد كل معنى ومشروعية لأن منطقها هو منطق التسلط الدوغمائي الغوغائي ذاته.
وسنصر على وجاهة ما نقول ونفعل. هذا يكفي الآن. لن نتفاءل كثيرا وفقهاء اليوم يمكن أن يفتوا في جواز استعمال الهواء للتنفس أو في إباحة السباحة في مياه البحر. لن نتفاءل لأن ابن حزم لم يعد حكما بيننا أو حجة لنا عليهم وهو يقرر أن الفنون كلها "واجب" لأن الواجب الديني لا يتم إلا بها. ولن نتفاءل لأن ابن رشد رحل على ظهر جمل ومعه أول وآخر محاولة جدية لعقلنة خطاب الشريعة الذي اختطفه أهل الغربة عن الحق من الوعاظ القدماء والجدد. لن نتفاءل وقد تلاشى صوت ابن عربي الذي كان يزعم أن فعل الحب في الأصل من فعل الخلق.
فالمعضلة المتجددة بانتظام تفيد بأن من حاول الاجتهاد لعقلنة التصورات وأنسنة العلاقات بدا صوتا طارئا كمن يجدف في الرمل أو يؤذن في مالطة. لقد استحوذ فقهاء الظلام على وعي الجماعة ومخيالها العام. تماما كما استحوذت القبيلة على الدولة، و"رب الأسرة" - الذكر الفحل - على المنزل العائلي. هذه إذن النوى الصلبة التي تعيد انتاج التسلط وكأنها جينات ثقافية نتوارثة طوال تاريخنا. لا غرابة بعد هذا أن أصبح الحلم بحياة حرة جميلة كريمة من اختصاص بعض المفكرين المعزولين وبعض المبدعين الصعاليك المنبوذين فحسب !.
الحكاية إذن ليست متعلقة بشعر لقاسم وغناء لمارسيل ومحاضرة لمحمد أركون أو رقصة لعبد الحميد كركلا، ولا حتى بشخص مي الخليفة التي تحاول زراعة المحرق والمنامة بشتلات الثقافة والمحبة. هناك رهان لم يتمكن أحد من حسمه في الماضي وكل الدلائل تفيد بأنه لن يحسم قريبا. لبعض البلدان العربية حوالي قرنين من الزمن وهي تحاول الدخول إلى عصر الحداثة والاندماج في آفاقها الجمالية والمعرفية دون جدوى. وهناك بلدان جديدة أنجزت الكثير في مجال العمران بسبب وفرة الريع النفطي لكنها تظل محكومة بأفق التخلف نفسه. ومن المغرب والسنغال إلى اندونيسيا وماليزيا ليس هناك مثقف واحد يستطيع أن يقول في مقام عام ما يقوله نظيره الهندي أو الصيني أوالأمريكي أو الأوروبي أو الأفريقي بكل هدوء: أنا أحترم معتقدات جماعتنا التقليدية لكنني لا أومن بها أساسا للتربية والتعليم والاقتصاد والسياسة في القرن الواحد والعشرين. حتى حين يعلن ألآخرون إسلامهم نفرح بهم ونحتفي بالخبر دليلا على عظمة ديننا - وهو كذلك لو لم يحوله البعض إلى تسلط - لكننا لا نتوقف لحظة واحدة عند عظمة الثقافة التي تبيح لأتباعها أن يقرأوا ويتفكروا ويختاروا ويعيشون بسلام في المجتمع، وبعضهم يمكنه أن يرشح نفسه لأعلى المناصب ويفوز! .
ليس غريبا بعد هذا أن هناك اليوم كائن يمكن تسميته "هومو إسلاميكوس" يختلف تماما عن البشر الآخرين لأنه يتوهم ويصدق أنه الأفضل والأكمل والأجمل حتى وهو في مؤخرة الركب الحضاري يعاني التسلط والفقر والجهل والمرض!. وهذا الكائن هو هكذا لأنه يعود على مديح فضائل القمع وهجاء مساويء الحرية. نعم لا شك أن حريات التفكر والتخيل والتعبير خطيرة على الجهالات والضلالات المعرفية كلها. لكنها ما تبقى لنا، وسنمارسها ونحرض عليها ما استطعنا لأننا بشر كالآخرين. ولن ننتظر تلك القوانين الواضحة الصارمة التي يسنها ويدافع عنها وينميها ممثلوا "الشعب والأمة" لأن هؤلاء غير موجودين بكل بساطة ولن يوجدوا في هذا العالم الشقي بعد عامين وجيل. الحكاية إذن أيها الأصدقاء ليست بحرينية أو "بحرانية" بل حكاية عربية اسلامية بامتياز. فهذا البلد الصغير كان ونأمل أن يظل كبيرا بقليل مثقفيه المبدعين في كل مجال. كتبت عنه مبالغا، بمحبة، في مديح جمالياته واتساع حرياته أكثر من مرة، ولن أعتذر عما فعلت. فهو لا يزال عندي المختبر الأهم للحداثة الثقافية في المنطقة، كما هي حال دبي في الاقتصاد والعمران. قبل فترة كنت أتساءل مع الصديق قاسم عما سيبقى للبحرين ومنها حين تتنكر لثقافة الحرية ورموزها.
كنت أتساءل بقلق بالغ على كل الحريات الصغيرة والكبيرة، النظرية والعملية، العالية والمبتذلة. فهي عندي كل لا يتجزأ، وحين يهدد جزء منه فإن مصير الأجزاء الأخرى التآكل (والماكرون يبدأون بالصغير الهامشي قبل الكبير دائما!). هذا ما يحاوله البعض، وبحماس بالغ لسوء الحظ. وحينما ينجحون في تحويله إلى نسخة مصغرة من جيرانه شرقا أو غربا سيتسع خريف الجهالات، وقد يعقبه صيف طويل جدا من الحرائق، وعندها سينشد الشنفرى، ومعه كثيرون ربما :
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى مترحل
أما الآن فلابد من بعض النسيان وبعض التفاؤل. لا بد من العود الأحمد إلى ما تبقى من ربيع الثقافة والمحبة. وبالمحبة ذاتها. لقد حضرت منه فعاليتين في اسبوعين متتاليين وكلي أمل في أن أحضر الثالثة. أعني تلك الفعالية التي سيطل منها الناس هنا على ثقافة الشعب البرازيلي الذي أتحف العالم بكرنفالاته ورقصاته الصاخبة وبفنون اللعب الكروي الفاتن لبيليه ومارادونا، وبكتابات جورج أمادو عن بهية ، وباولو كويلو عن خيميائي يقال أنه عربي مسلم !.
الوقت
كتبت الصحف البحرينية عن ‘’كارثة ثقافية’’ في البحرين لأن مجلس النواب البحريني قرر تشكيل لجنة تحقيق في شأن العروض التي قدمت في مهرجان’’ربيع الثقافة’’ وقد رفض المثقفون والتجار والكتاب والفنانون وحتى بعض اعضاء مجلس الشورى البحريني توجهات مجلس النواب واعتبروها محاولة لتكميم الافواه. وكتب الروائي احمد صالح ‘’ان العقل يقف مشدوها ومذهولا بمنطق عاجز عن فك وحلحلة ابسط القضايا البرلمانية التي من الاجدى لهم ان يسعفوها بشيء من المعرفة والاجتهاد في درس التقدم بهذا الوطن نحو الامام وليس الخلف’’.
محاربة الثقافة والفن والادب والابداع في الخليج خطوات اتخذها مجلس الامة الكويتي قبل البحريني، حيث استطاع نواب مجلس الامة اختطاف الدولة ووضع قيود صارمة على معرض الكتاب في الكويت وكذلك وضع شروط شرعية على الحفلات الفنية التي تقام في الكويت. كما نجح النواب بسبب غياب بعض مؤسسات الدولة وضعفها في منع حفلات الكريسماس ورأس السنة الميلادية في الفنادق والمطاعم وكل الاماكن العامة والسؤال هنا: لماذا تحرص جماعات الاسلام السياسي في الخليج سواء في الكويت ام البحرين على محاربة الثقافة ومنع التواصل مع الاخر؟ ما هدفها من منع انتشار ثقافة التسامح والمحبة؟ هم يحاربون الثقافة لانها وعاء للحرية الشاملة وليس الانغلاق وترويج الافكار التقليدية التي عفى عليها الزمن، الثقافة مهمة لكل امة لانها تمثل التجربة التاريخية للشعب وتترسخ في مؤسساته، وتشكل توجهاته وتطلعاته نحو العالم.
لماذا يتخوف الاصوليون من الاحتكاك الثقافي والتواصل مع الآخر؟ يتخوفون لانهم يعون تماما ان الثقافة قد تتغير مع الزمن فاخراج الثقافة من الاطار التراثي بكل مخرجاته السمحة الى فضاء ارحب يناقش الاخر البعيد ولا يهمل الواقع القريب امر لا يعجب اعضاء هذه الجماعات الاصولية المتطرفة لانهم يروجون لثقافة الانعزال والانغلاق عن الاخر تمهيدا للتطرف والارهاب وهذا اسلوب خطأ على جميع المستويات.
الاصولية الاسلامية في الخليج تحاول اجهاض مجهود الدول الخليجية في بناء الانسان المنفتح على الآخر، والذي يؤمن بالوسطية والاعتدال، اننا لانغالي عندما نؤكد ان الحكومات في دول الخليج العربية اكثر ليبرالية وتحررا وانفتاحا وتسامحا من شعوبها. فالنواب سواء في الكويت ام البحرين تم انتخابهم من قبل الشعب لماذا اختار الشعب نوابا من ‘’الاخوان المسلمين’’ والحركة السلفية والمتطرفين من الشيعة؟ معنى ذلك ان شعوبنا لاتزال غارقة في وحول التقليدية وتحارب الحضارة والاعتدال والحداثة، لذلك جاءت محاولات دول الخليج لتعزيز الثقافة وفتح بلدانها على الآخر من اجل ان يرتفع المستوى الثقافي لدى ابناء شعوبها، حتى يتوصلوا الى الاختيار الافضل في الانتخابات العامة. لا ينكر احد ان جماعات الاسلام السياسي من ‘’اخوان’’ وسلف وشيعة وغيرهم قد وصلت الى البرلمان عن طريق الديمقراطية على رغم ازدراء هذه الجماعات للديمقراطية وكرهها للحكم الديمقراطي لكنها تستغل الحكم الديمقراطي للوصول الى السلطة وبعدها يتم فرض نظام الحكم الديني. مرة اخرى نتساءل: لماذا تسعى الجماعات الاصولية الحزبية المتطرفة لمنع المهرجانات الثقافية او وضع قيود على انشطتها؟ هذه الجماعات تعي تماما تزايد دور وسائل الاعلام في ترويج ثقافة الانفتاح والتسامح وتلمس قضايا الانسان عموماً فالمشروعات الثقافية والسياحية ومهرجانات التسوق التي اتجهت لها دول الخليج اخيراً، واستثمرت فيها الاموال الكثيرة لا تعجب هذه الجماعات لان الانفتاح الثقافي معناه القضاء على الانعزال والتطرف، مما يؤدي تدريجيا الى تغيير العقليات المتزمتة ويفتح المجال للتفاهم والمحبة والسلام مع الآخر، فالاصولية في الخليج ضد الحياة ومع الموت، وهذا يتناقض مع الفهم الحقيقي للاسلام، ان الاسلام مثل اي دين ليس ما تتحدث الكتب عنه وانما ما يصنع الناس منه، اذ لاتؤيد الحياة اليومية لغالبية المسلمين فكرة ان العقيدة في جوهرها معادية للغرب وتحارب الحداثة
- استاذ في جامعة الكويت
عن صحيفة السياسة الكويتية
وللتنويه للسادة النواب أولاً، فإن (لا تعتذر عما فعلت) عنوان لأحد دواويين الشاعر محمود درويش، وإني إذ استخدمها هنا، لحاجة في نفس يعقوب..
حضرة الفاضل محمد بن عبدالغفار وزير الاعلام
أما وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه.. فالله الله بمستقبل هذا البلد.. إنهم لا يريدون الآن اعتذاراً كما قالوا وشنعوا، بل يريدون كبشاً، ولو أنهم يريدون صلحاً! والصلح خير، لأحضروا الأنفس الشح، أما وقد قالوا ما قالوا وليس من سبيل في ذلك.. فأثبت ولاترتهن.
ومادامت آليات التحقيق في يدهم وليس منها بد، ومادام منصبك يحتم عليك التعامل مع المجلس بصورة أو بأخرى.. فأثبت ولا ترتهن.. (ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت مكانهم جوهرتين.. هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى) (1).
أن بوقوفك الآن بين يديهم - أو من سيمثلك - لحظة تاريخية ونقطة فاصلة في تاريخ هذا البلد، قل كلمتك بوضوح ولا تعتذر عما فعلت. (قل لهم فيما ينامون على أحلامهم.. سترى في نرجس الصحراء في ترنمية العود وغيم الشعر.. سرداً وانهدام) (2).
فهذه اللحظة بقدر أهميتها كونك وزيرا، إلا أن أهميتها القصوى تكمن في الحفاظ على تاريخ وإرث ثقافي ومتجذر في هذا البلد، فالمسألة الآن لم تعد عرضاً ورقصات أو نص.. أنها مرحلة حرجة، والكل ينتظر منك إما الحفاظ على تاريخ البلد أو تاريخ الكرسي.. لا تعتذر عما فعلت.. إنها اللجنة (قد تثقل القلب.. لكن خلفك عار العرب..(..) ولا تتوخَّ الهرب).
ولا تنظر إلى المتخاذلين الذين لايرون في محكمة التفتيش سوى أنها لجنة والسلام.. بل إنها موقف.. فجادلهم في الأمر وقل ما بدا لك.. لكن لا تعتذر.. ولا تجعل من هذه اللجنة مفرخة لغيرها من اللجان والقيود.. فلا تعتذر عما فعلت.
(1) ‘’لا تصالح’’ من ديوان أمل دنقل.
(2) من ‘’مجنون ليلى’’ لقاسم حداد.
الوقت- 24 مارس 2007
تاريخ البحرين معروف بأصالته فالبحرين على مر العصور والسنين كانت سباقة في مختلف المجالات، في التعليم الذي بدأ في بدايات القرن الماضي، في البعثات الدراسية إلى الخارج قبل أكثر من ثمانين عاماً، في الانتخابات البلدية، في المجال الثقافي والصحفي، حتى في المجال
الاقتصادي حيث كانت البحرين أول دولة في المنطقة أنعم الله عليها بالذهب الأسود الذي غير مجرى الحياة في بلادنا وانتقالنا من صناعة اللؤلؤ إلى صناعة النفط في عام 1932 ورغم تراجع إنتاج البحرين فإننا نفتخر بأن البحرين كانت السباقة في مجال اكتشاف خيراتنا الموجودة في باطن الأرض. ما دامت هذه هي البحرين فليس من المستغرب أبداً أن تشهد بلادنا احتفالات ومهرجانات ومناسبات ثقافية ورياضية وفنية وغيرها، لأن البحرين هذا وضعها الطبيعي منذ القدم، ومن دونها تعتبر حياتنا غير طبيعية لأنها مكملة لنا ولوجودنا ولاستمرارنا، فهذه المناسبات بالنسبة إلينا مثل شريان الدم الذي يبعث الحياة في الإنسان ويجدد نشاطه، فمن خلال احتضان وتنظيم المهرجانات وغيرها نعزز ارتباطنا بالعالم وبعلاقاتنا بالآخرين وتجسيد تواصلنا الثقافي والفكري والرياضي مع أصدقائنا وإخواننا، وفي الوقت نفسه تعريفهم بتراث وثقافة هذا الشعب العريق. إذًا إذا كان هذا وضع البحرين، لماذا نحاول تغييره؟ بدلاً من تعزيز وجودنا في مختلف المناسبات بعد السمعة الطيبة التي اكتسبتها البحرين على المستويين العربي والعالمي، وهي مستويات نفتخر بها ويجب المحافظة عليها. إلا أنه للأسف الشديد نرى بين فترة وأخرى تثار مسائل وقضايا خلافية تؤثر سلباً في سمعة البحرين وتعرقل مسيرتنا وتسيء إلى بلادنا وإلى شعبنا، فعلى سبيل المثال تمثل إثارة قضية واحدة تؤكد التخبط الذي وصلنا إليه، وهي قضية نانسي عجرم التي زارت البحرين مرتين وكيف كان الفرق بين الزيارة الأولى التي قامت الدنيا وقعدت ووصلت إلى الاعتصام والتظاهر والتأجيج والتهديد، والزيارة الثانية التي أتت فيها وقدمت حفلتها الغنائية وغادرت وكأن الذي زار البحرين نانسي عجرم أخرى، في ظاهرة تؤكد أننا لانزال مؤهلين لممارسة الديمقراطية. واليوم تأتي قضية مسرحية "مجنون ليلى" التي عرضت ضمن فعاليات ربيع الثقافة الذي تشهده البحرين في مثل هذا الوقت من كل عام وما سببته من إشكالات وتدخلات لا داعي لها، في وقت نحن في أمس الحاجة لاحتضان مثل هذه الفعاليات لما لها من آثار إيجابية على زيادة الوعي الثقافي للمواطنين وعلى تسويق البحرين ثقافياً على مستوى المنطقة وقد تجلى ذلك في الحضور الكبير من جانب إخواننا الخليجيين لفعاليات المهرجان. إننا نعيش في وقت لا يمكن إغلاق مصادر المعرفة والاطلاع أمام الناس في ظل وجود قنوات متعددة وكثيرة يمكن الوصول إلى ما نريد، فالفضائيات التي لا حصر لها تروج برامج أكثر بكثير مما تضمنته مسرحية "مجنون ليلى"، ويمكن مشاهدتها بكل سهولة وكلها تتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية ولا نستطيع أن نفعل شيئاً حيالها، فهي موجودة رغم أنفنا وتشاهد في كل بيت بحريني وفي كل حجرة، وكلها برامج أخطر مليون مرة من مسرحية مجنون ليلى التي قامت الدنيا عليها من قبل البعض. لدينا قضايا مهمة يمكن الالتفات إليها وهي أهم ألف مرة من مسرحية "مجنون ليلى" مثل زيادة الرواتب وتحسين الخدمات الإسكانية والتعليمية والصحية التي تقدم للمواطنين والتصدي لارتفاع الأسعار التي اكتوى المواطن بنارها وتراجع القدرة الشرائية للبحرينيين وغيرها. إن مثل هذه التوجهات تؤثر سلباً فينا وفي سمعة بلادنا بعد النجاح الكبير الذي حققه مهرجان ربيع الثقافة باعتباره متنفسا للجميع بعد ان تراجعت الاحتفالات والمهرجانات في بلادنا بسبب القيود والتدخلات حتى أصبحنا سجناء في بلادنا لا ندري إلى أين نذهب وكيف نقضى إجازاتنا وعطلاتنا التي أصبحت مملة نخصصها للنوم فقط.
أخبار الخليج
البحرين 27- مارس-2007